Site icon IMLebanon

«لغز» اللحوم المُخزّنة بالأطنان في المستودعات

 

بعدما وصل سعر كيلو اللحمة الى 65 الف ليرة، شُطبت الكبة واللحمة المشوية واللحمة بعجين وغيرها عن الموائد اللبنانية، وبات شراؤها حكراً على الميسورين. انطلاقاً من ذلك يضغط مستوردو اللحوم لإدخالها ضمن السلة الغذائية المدعومة. لكن نظرة سريعة الى ارقام مستوردات المواشي واللحوم، تكشف حجم المخزون غير المعلن، والذي من المؤكّد سيتمّ الافراج عنه فور تغطيته بالدولار المدعوم، وبذلك تسجّل الكارتيلات هدفاً جديداً في مرمى خطة الحكومة.

 

يستورد لبنان ثلاثة أنواع من لحوم البقر: اللحوم المجمّدة، اللحوم الطازجة او المبرّدة والابقار الحية. وقد أظهرت ارقام الدول المصدّرة للحوم الى لبنان، أنّ كميات المواشي الحيّة التي دخلت لبنان في الشهر الأول من العام الحالي وحده، توازي مجموع ما استورده لبنان خلال 4 اشهر في مطلع العام الماضي، وذلك في إشارة الى لعبة التاجر الكلاسيكية، والتي تقضي بالشراء على السعر المنخفض والبيع مع ارتفاع الاسعار لتحقيق أرباح طائلة.

 

في التفاصيل، أظهرت ارقام صادرات الدول الى لبنان، انّه جرى خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني 2020 الى أيار 2020 استيراد ما مجموعه 55.4 الف طن من الحيوانات الحية، بقيمة 133.8 مليون دولار، مقارنة مع 41.6 الف طن في الفترة عينها من العام الماضي، كما انّ رقم المستوردات خلال العام 2020 تفوّق على مستوردات الـ 6 سنوات الماضية، إذ سجّل العام 2015 المستوردات الأعلى بـ 52 الف طن. واللافت، انّه خلال شهر كانون الثاني 2020 جرى استيراد 17.4 الف طن من الابقار الحية، مقارنة مع 4.8 آلاف طن للفترة نفسها من العام 2019، أي انّ مستوردي المواشي استوردوا 12.6 الف طن أكثر من حجم الاستيراد الطبيعي، بما يؤكّد انّ هناك مخزوناً وفيراً من اللحوم جرى شراؤه في فترة كان فيها سعر الدولار مقابل الليرة حوالى 3000 ليرة.

 

اما اللحوم الطازجة واللحوم المبردة، فتأثر استيرادها قليلاً بارتفاع الدولار، وبتراجع الاستهلاك خلال فترة كورونا، ليصل مجموع ما استورده لبنان من اللحوم الطازجة منذ مطلع العام حتى شهر أيار 2020 نحو 4.8 آلاف طن مقارنة مع 6.8 آلاف طن في الفترة نفسها من العام الماضي. كذلك تراجع استيراد لحوم البقر المجمّدة الى 2.8 الف طن في 2020 مقارنة مع 3.1 آلاف طن في الفترة نفسها من العام الماضي.

 

لكن السؤال المطروح اليوم، كيف سيتمّ تصريف مخزون اللحوم المستوردة بأنواعها كافة والمقيّدة بتاريخ صلاحية معينة، في ظل إحجام غالبية اللبنانيين عن الشراء بالمطلق او شراء أقل من نصف حاجتهم، فهل من سيراقب صحّة اللحوم في السوق، وقد بدأت تتوالى الاخبار عن ضبط لحوم فاسدة في بعض الملاحم في بيروت؟

 

فضائح بالأرقام

الى ذلك، لا يختلف ملف مستوردات اللحوم عمّا سبق وكشفته «الجمهورية» من تلاعب في الأرقام والاختلافات بين ما تصرّح عنه الدول المصدّرة الى لبنان، وبين ما تسجّله دفاتر الجمارك اللبنانية. لكن الخطورة في هذا الملف تكمن في اللحوم والمواشي التي تدخل الى لبنان كيفما كان، ومن أي بلد كان، فهل من يراقب ما نأكل؟ هل من يفحص هذه المواشي؟ وإلّا، لماذا يتمّ ادخال مواشٍ او لحوم «كتهريبة»، أي من دون الإفصاح عن اسم البلد الذي نستورد منه اللحوم؟

في السياق، كشف المتخصّص في الدراسات الإحصائية عباس طفيلي، انّ ارقام الواردات الى لبنان، لا سيما في السنوات الخمس الماضية، تُظهر فوارق كبيرة مع ارقام بلد المنشأ، بحيث يتبيّن انّ ارقام الجمارك اللبنانية اقل بكثير مما دخل فعلياً الى لبنان، وحجم الفوارق هذا يختلف بين سلعة وأخرى.

 

الابقار الحية

ما تظهره ارقام مستوردات الابقار الحية، لاسيما في ما يتعلق بأرقام البرازيل، هي بمثابة فضيحة. ففي العام 2019 استورد لبنان ما مجموعه 108.3 آلاف طن من الابقار الحية بقيمة 276.3 مليون دولار، في حين تُظهر ارقام الدول المصدّرة الى لبنان اننا استوردنا 87.7 الف طن من الابقار الحيه بقيمة 176 مليون دولار، اي بفارق 20.5 الف طن، بما قيمته 100 مليون دولار، بمعنى آخر هناك 20 الف طن من الابقار الحية غير معروفة المصدر، وانّ نحو 100 مليون دولار دُفعت لجهة مجهولة.

ولفت طفيلي الى انّ هذه الفضيحة تكرّرت على مدى سنوات أقلّه من العام 2015 الى 2019، حيث وصل الفارق بين ارقام لبنان والدول المصدّرة الى لبنان الى 136.5 الف طن بقيمة 614 مليون دولار. ولهذه الفوارق تفسيرات عدة، منها انّ هناك منتجات مختلفة تدخل الى لبنان تحت مسمّى ابقار حية وهي ليست كذلك، او انّ البقر الحي يدخل لبنان مجهول الهوية بما يرجّح فرضية مرض المواشي.

وبالنظر الى مستوردات لبنان من الابقار الحية من البرازيل، وفق ارقام الجمارك اللبنانية، دخل الى لبنان عام 2018 نحو 32 الف طن من الابقار بقيمة 73.8 مليون دولار، بينما تُظهر ارقام البرازيل انّها صدّرت الى لبنان27 الف طن بقيمة 45.7 مليون دولار، بفارق 5 آلاف طن قيمتها 28 مليون دولار.

ويقول طفيلي: «لا شك انّ هناك تلاعباً فاضحاً في الأرقام، فهل يُعقل انّ كلفة 5000 طن من البقر 28 مليون دولار، بينما كلفة الـ 27 الف طن هي 45 مليون دولار؟». وأعطى لذلك تفسيرات عدة: إما تمّ شراء ابقار من دول غير البرازيل، وهي على الأرجح دول غير مصرّح عنها تجاه الدولة اللبنانية، أي تأتي بالتهريب الى لبنان، بما يرجّح فرضية انّ هذه الأبقار مريضة، لذا فإنّ كلفة استيرادها أقل بكثير، وإما جرى ادخال منتجات من البرازيل تحت مسمّى ابقار وهي ليست كذلك. وفي جميع الأحوال التوضيح مطلوب من الجهات المعنية.

 

اللحوم الطازجة او المبردة

بالانتقال الى مستوردات اللحوم الطازجة او المبردة، فإنّ الوضع يختلف، لأنّ ارقام الجمارك في هذا المجال هي دائماً أكثر مما تصرّح به الدول المصدّرة الى لبنان، وتكمن الخطورة هنا في كميات اللحوم المجهولة المصدر التي تدخل لبنان، بما يعني انّه لا توجد دولة في العالم تتحمّل مسؤولية الاستيراد، بما يطرح علامات استفهام عن نوعية اللحوم التي نأكلها، في ظلّ غياب أي رقابة او محاسبة للمستوردين.

على سبيل المثال، سجّل لبنان عام 2019 استيراد 17.4 الف طن من اللحوم الطازجة او المبردة، فيما تظهر ارقام الدول المصدّرة الى لبنان ما مجموعه 15.4الف طن، أي بفارق حوالى 2000 طن بقيمة 13.5 مليون دولار. هذا يعني، بحسب الطفيلي، انّ الـ13.5 مليون دولار دُفعت لجهة مجهولة، وانّ الـ 2000 طن من اللحوم التي دخلت لبنان مجهولة المصدر، وقد تكون فاسدة، او هي عبارة عن بضاعة دخلت الى لبنان تحت مسمّى لحوم، وهي ليست كذلك.

 

اللحوم المجمّدة

أما بالنسبة الى اللحوم المجمّدة، فقد أظهرت ارقام الجمارك اللبنانية، أنّه دخل الى لبنان خلال السنوات الممتدة من 2015 الى 2019 ما مجموعه 39.6 الف طن، فيما تكشف ارقام الدول المصدّرة الى لبنان انّها صدّرت الينا ما مجموعه 43.8 الف طن، أي بفارق 4 آلاف طن بما قيمته 10.3 ملايين دولار.

استورد لبنان في العام 2019 نحو 7 آلاف طن من لحوم البقر المجمّدة، بينما تُظهر ارقام الدول المصدّرة للبنان اننا استوردنا ما مجموعه 8.5 الاف طن بفارق 1.2 الف طن. واعتبر الطفيلي، انّ الفوارق في هذا النوع من اللحمة تُعتبر صغيرة نسبياً، لذا هناك احتمال ان تكون مسجّلة على انّها نوع آخر من اللحوم او انها تذهب هدايا وتنفيعات على شكل همبرغر ومقانق…