بسبب التآكل الواسع للقوّة الشرائية للمستهلكين، خفضت الأسر استهلاك اللحوم الحمراء، سواء كانت طازجة أم مبرّدة أم مجلّدة. انكماش هذه السوق سعّر التنافس بين التجّار الذين استعادوا حروبهم السابقة حول المواصفات والقيمة الغذائية وتراتبيتها؛ الطازج أولاً، ثم المبرّد، وأخيراً المجلّد. لكن هذه التراتبية لم تعد تنفع أمام ارتفاع الأسعار المحلية المرتبطة بسعر الدولار مقابل الليرة. سعر كيلوغرام اللحمة الطازجة أصبح 300 ألف ليرة، بينما المبرّد هو أدنى، والأدنى من كليهما هو المجلّد. توزّع الحصص السوقية بات خاضعاً لقدرة المستهلك الشرائية.
بحسب أرقام وزارة الزراعة، فإن استيراد اللحوم الحية الأغلى ثمناً، واللحوم المبرّدة التي تقلّ عنها قليلاً، انخفض بنسبة 50% في الأشهر الخمسة الأولى من السنة الجارية، مقارنة مع الفترة نفسها عام 2019 ليصبح حجم واردات اللحوم المثلّجة ذات السعر الأرخص ضعف اللحوم المبرّدة. بشكل عام تراجع الاستهلاك، لكن ذلك أدّى إلى تنافس أكبر بين التجّار ومستوردي اللحوم، على الحصّة السوقية الباقية للمستوردين. فمن أولى نتائجها الحديث عن لحوم هندية مجلّدة متدنية الجودة وغير مطابقة للمواصفات، تدخل إلى لبنان بكميات كبيرة وبأسعار أرخص بكثير من اللحوم المبرّدة أو الطازجة.
فقد أثار أمين سرّ نقابة القصّابين ومستوردي وتجار المواشي الحيّة، ماجد عيد، قضية اللحوم الهندية، باعتبارها غير مطابقة للمواصفات. موقفه يستند إلى «قرارات دولٍ أوروبية تفرضُ قيوداً على هذا النوع من اللحم وأخرى منعته بتاتاً لعدم جودته»، منتقداً قرار وزارة الزراعة السماح بدخول هذه اللحوم رغم أنه «لا زياراتٍ من لبنان إلى الهند للكشف للدوري على المسالخ الهندية». لذا يطالب عيد بوقف استيراد اللحوم الهندية التي تنافس واردات المواشي الحية واللحوم المبرّدة. ففي مراكز البيع يبلغ سعر كيلو اللحم الهندي نحو 6 دولارات أي ما يعادل 174 ألفاً اليوم مقابل نحو 300 ألف ليرة للطازج والمبرّد.
المفارقة أن دخول اللحوم الهندية إلى لبنان ليس حدثاً مستجداً، بل شأنها شأن المستوردات من البرازيل والأورغواي. أسعارها الزهيدة جعلتها منتجاً مناسباً لأسواق المناطق الأكثر شعبية. وبحسب نقيب مستوردي اللحوم غابي دكمرجيان فإن «تناولها نيئة غير مرحّب به كسائر اللحوم المثلّجة على اختلاف المصادر، وليس لأنها ذات نوعية رديئة».
من جهتها تؤكد وزارة الزراعة أن اللحوم الهندية كغيرها تخضع للكشوفات والفحوص اللازمة قبل عرضها في الأسواق. ويضع مدير الثروة الحيوانية في الوزارة الياس إبراهيم الجدال الحاصل في إطار «الحرب بين قطاعين متنافسين»، لا سيما أن إثارة الضجة جاءت من قبل تجار اللحوم الحيّة التي تراجعت وارداتها منذ منتصف عام 2021 بالتزامن مع مرحلة رفع الدعم. وبنتيجة تراجع القدرة الشرائية للمواطنين انخفض الطلب على اللحوم الطازجة وتدنى استهلاكها، ما قلّص الوعاء الذي كان ينتج أرباحاً هائلة للمستوردين. تغيّر توجهات الاستهلاك، وإن كانت مفهومة ربطاً بالأزمة، إلا أنها «لا تبرر غشّ المستهلكين» يجزم إبراهيم، مقراً بضرورة احترام القانون لهذه الجهة وإبلاغ المشتري بمصدر اللحوم وترك الخيارات للناس.