Site icon IMLebanon

المعاينة الميكانيكية تعود: تلزيم الـ (لا) السلامة المرورية…

 

يشهد الأسبوع الحالي إطلاق مناقصة تلزيم المعاينة الميكانيكية. وهو خبر أطلق معه العنان لألف خبرٍ وخبر. هناك من رأى في ذلك ضرورة للحفاظ على السلامة العامة المرورية. وهناك أيضاً من اشتمّ رائحة «تمريقة» على حساب المواطن الذي يُتوقع أن يتكبّد 50 دولاراً كرسمٍ جديد للمعاينة. أما الأغرب، فهو اشتراط إعادة توظيف الأشخاص ذاتهم الذين عملوا في المعاينة منذ العام 2002. فمن يقف وراء هذا القرار وهل تفتح المعاينة معها أبواب سمسرات وصفقات جديدة – قديمة؟

 

 

في العام 2002، أجرى وزير الداخلية حينذاك، الياس المر، مناقصة مفتوحة لمشروع تلزيم تصميم وبناء وتجهيز وتشغيل محطات لإجراء المعاينة الميكانيكية والفحص الفنّي للمركبات وللآليات. وقد حصلت شركة «فال» السعودية على ذلك الامتياز لمدّة عشر سنوات على أن تعود جميع الأملاك والمنشآت إلى الدولة اللبنانية بعد انتهاء العقد. الشركة المذكورة قامت أيضاً باستجلاب عمّال قاموا – بحسب ما علِمنا – بالتوقيع على تعهّد يقضي بعدم المطالبة بأية حقوق عند انتهاء العقد وتوقُّف الشركة عن العمل.

 

تَسلسُل الأحداث

 

السنوات العشر مضت. وبتاريخ 31/12/2012 انتهى العمل بالعقد الموقَّع بين كل من وزارة الداخلية وشركة «فال»، فأصبحت ملكية مراكز المعاينة بِيَد الدولة اللبنانية. لكن، بصورة استثنائية، جرى تمديد العقد القائم بالتراضي بين الطرفين تباعاً حتى تاريخ 01/07/2015 بموجب قرارات صادرة عن مجلس الوزراء مباشرة. وبما أن الشركة قامت بتسليم جميع المراكز والتجهيزات في بداية العام 2013، حصلت عملية التشغيل من بعدها بموجب عقود رضائية موقّتة خارج إطار أي منافسة.

 

وفي العام 2014، طلبت هيئة إدارة السير إجراء مناقصة عمومية لتحديث وتشغيل مراكز المعاينة الأربعة واستحداث أخرى ليصبح عددها الإجمالي 17 مركزاً. غير أن المناقصة عُلّقت من قِبَل مجلس شورى الدولة الذي أبطل قرار الهيئة. وهكذا استمرت شركة «فال» بتأدية عملها لغرض استمرار المرفق العام إلى حين إنجاز مناقصة جديدة.

 

جدير بالذكر هنا أن عقد الاتفاق الرضائي الموقَّع بين وزارة الداخلية وشركة «فال» بتاريخ 5 نيسان 2013 مشوب بعيوب عديدة. فقد كان يُفترض إجراء مناقصة عمومية بحسب القانون، في حين أن هيئة إدارة السير – لا وزارة الداخلية – هي المرجع الصالح لتوقيع العقد. أضف إلى ذلك أن العقد لم يُعرَض على ديوان المحاسبة لإجراء الرقابة عليه، كما لم تقم شركة «فال» في أي وقت من الأوقات بتقديم كفالة حسن تنفيذ وبتسديد رسم الطابع المالي، خلافاً لقواعد قانون المحاسبة العمومية.

 

كلّ ذلك دفع بمدير عام هيئة إدارة السير آنذاك، هدى سلوم، إلى توجيه كتاب لوزير الداخلية في كانون الثاني 2019، طالبة وضع حدّ للحالة الشاذة غير القانونية تلك، لا سيّما وأن العقد المبرم سبق وانتهى في العام 2015. كذلك، جرت المطالبة، بالمشاركة مع كافة اتحادات النقل البري، بتولّي هيئة السير إدارة مراكز المعاينة على أن تعود الجباية لصالحها.

 

 

الإتحاد العمالي يتدخّل

 

نتيجة الشكاوى والمراجعات حول أبواب الهدر والفساد والسمسرة والسرقة، أعلنت اتحادات النقل البري الإضراب وإقفال المعاينة على عدّة فترات من أجل استرجاعها إلى كنف الدولة. وإجراء مباراة لعدّة موظفين من قِبَل هيئة إدارة السير لاستلام هذه المنشآت كان مطلباً رئيساً، على أن تُدفع المعاينة ضمن الإيصال المالي وليس بواسطة الشركة الخاصة المشغّلة. واستمرّت الأمور على حالها حتى أيار 2022 حين قام مدير عام شركة «فال»، وليد سليمان، بزيادة تعرفة المعاينة من 36 ألف ليرة إلى 120 ألف ليرة دون أي مسوّغ شرعي أو الرجوع إلى وزير الداخلية والبلديات، بسام مولوي. فما كان من الأخير إلّا أن أصدر قراراً قضى بإلغاء المعاينة حتى إشعار آخر.

 

مذّاك، تمّ رصد مطالبة متكرّرة من قِبَل رئيس الاتحاد العمالي العام، بشارة الأسمر، بإعادة العمل بالمعاينة. آخرها كان بداية الشهر الحالي خلال زيارة قام بها إلى الوزير مولوي على رأس وفد من موظفي المعاينة. الأسمر شدّد على ضرورة عودة الوزير عن قراره نظراً لما في ذلك من تداعيات على السلامة المرورية، من جهة، وعودة الموظفين إلى أعمالهم، من جهة أخرى. الوزير أظهر تجاوباً من ناحيته. وحُضّر دفتر الشروط، حيث أفادت مصادر هيئة الشراء العام أن المناقصة ستُطلق الأسبوع الحالي.

 

«شتّي يا دنيي» رسوم

 

تواصلنا مع الأسمر لمزيد من الاستفسار. وقد أشار إلى أن الأمور تسير بالشكل الصحيح وما الإصرار على عودة الموظفين ذاتهم إلى العمل سوى ضمانٍ لمبدأ استمرارية المرفق العام. «كان لهؤلاء فضل كبير على الشركة، ومنهم من عمل لمدّة عشرين سنة. علينا احترام مبدأ استمرارية العمل خصوصاً وأنهم ساهموا في إرساء أسس المعاينة الميكانيكية»، على حدّ تعبيره. وأضاف أن قرار إقفال المعاينة أدّى إلى تشريد ما لا يقل عن 400 موظف وإلى تهديد السلامة المرورية. لكن هل يسمح النظام الداخلي للاتحاد بالمطالبة بإجراء مناقصة؟ «الاتحاد ليس شريكاً في إجراء المناقصة إنما سعى في مبادرته إلى استمرارية الموظفين كون أي عملية صرف في هذه المرحلة الحساسة قد تؤدّي الى كارثة. مع العلم أن الاتحاد، في نظامه الداخلي، هو المسؤول عن ثلاثية التمثيل وأن الموظفين يخضعون لقانون العمل»، وفق الأسمر.

 

جيّد، لكن ما هي الخدمات التي تقدّمها الدولة بالمقابل وعن أي سلامة مرورية نتكلّم والطرقات بمعظمها غير آمنة في حين أن إشارات السير شبه متوقّفة والإنارة معطّلة؟ سؤال آخر توجّهنا به إلى الأسمر فأجاب أن تأهيل السيارة هو الخطوة الأولى من سلسلة خطوات لا بدّ من العمل عليها. «ما تطرحونه صحيح، فالرسوم تتضارب وأصبحت ترهق المواطن. هناك اتجاهات للمعالجة لكنها خجولة في ظل مضاعفة الرسوم، وسنعترض حتماً في حال كانت الأخيرة مرتفعة. نحن نخيّر بين استمرار المرفق العام والعاملين فيه وبين التوقّف الكلّي، أي بين المطرقة والسندان».

 

صفقة مشبوهة؟

 

رئيس نقابة مدارس السوق في لبنان، حسين غندور، يقول بدون مواربة إن ما يجري «صفقة على حساب المواطن». فقد أسف في اتصال مع «نداء الوطن» لأن يكون لبنان البلد الأغلى في العالم من حيث رسوم التسجيل والميكانيك في مقابل أسوأ الخدمات. «من المعلوم أن رسوم السير والميكانيك يجب أن تقابلها خدمات كالطرقات والإنارة والعناصر ومستلزمات السلامة العامة من إنشاء خطوط وأرصفة وإشارات سير وتوجيه، كما إشارات مانعة وتحذيرية. لكن ما يحصل الآن هو محاولة تمرير مشروع من أجل إعادة المعاينة الميكانيكية وتحميل المواطن رسم 50 دولاراً فقط إرضاء لعمال شركة «فال» الذين وقّعوا على تعهدات خطية بالتنازل عن كافة حقوقهم بعد انتهاء العقد. فكيف جاء الأسمر بهذه الفكرة؟»، يتساءل غندور. وفي حال وجود أي مطالب لهؤلاء الموظفين، عليهم التوجّه إلى شركة «فال» الخاصة إذ لا علاقة للدولة اللبنانية بهم، كما يؤكّد. «إلّا أن المفاجئ في الأمر هو وجود هيئة تأسيسية لنقابة عمال ومستخدمي المعاينة الميكانيكية وها هم يربطون المسألة بالسلامة المرورية. أما الهدف الحقيقي، فهو استجلاب شركة خاصة بالاتفاق بين وزير الداخلية ورئيس الاتحاد العمالي العام لإعادة المعاينة ومحاولة تمرير المشروع ضمن دفتر شروط وإجراء مناقصة».

 

غندور اعتبر أن المواطن يدفع رسم المعاينة مرّتين: مرة في مصلحة تسجيل السيارات عند تسجيل المركبة تحت رسم «بصم ومعاينة»؛ ومرة أخرى في المعاينة الميكانيكية. فأين تذهب تلك الرسوم وعلامَ تُصرف؟ ثم أين الوضوح في كيفية إدارة السير من ألِفها إلى يائها نتيجة فشل بعض المسؤولين في تسيير المرفق العام؟ وهو أصرّ على وجوب خضوع الأسمر لمساءلة المجلس التنفيذي للاتحاد العمالي العام وتقديم بيان توضيحي يشرح فيه أسباب تحرّكه. كما ناشد التفتيش المركزي الإداري والنيابة العامة في ديوان المحاسبة إجراء التحقيقات حول المشروع الذي يُدبَّر على حساب المواطن. «سنقوم بالادّعاء على من يظهره التحقيق فاعلاً ومشاركاً في إجراء مناقصة مشبوهة من شأنها أن تؤدي إلى استيلاء شركة خاصة على منشآت مملوكة من الدولة، ولا يحقّ للوزير ومن معه كما لهيئة إدارة السير إعادة تسليمها إلى شركة خاصة. لقد كنّا الجهة الوحيدة التي كشفت فساد شركة «إنكربت» وسنقوم بكشف هذه الصفقة المشبوهة أيضاً».

 

مافيات المعاينة

 

من منظار قانوني، استهلّ المحامي علي عباس حديثه مع «نداء الوطن» بأن الشركة المشغّلة السعودية الخاصة هي التي قامت بعملية التوظيف، بينما يعود إصرار الاتحاد العمالي على إعادة الموظفين أنفسهم إلى أن هؤلاء وُظّفوا تبعاً لمحسوبيات سياسية والاتحاد جزء منها. والسؤال الأبرز الذي طرحه عباس: «هل تكفي إعادة العمل بالمعاينة الميكانيكية إن لم تترافق مع إصلاح ورقابة على العمل كي لا نعود إلى نفس عملية الابتزاز التي طالما تعرّض لها المواطن؟ لَو كان هناك حدّ أدنى من الشفافية وتطبيق للمساواة، لكان جرى توظيف أشخاص جدد خاصة وأن «رائحة» فساد المعاينة قد عمّت جميع المناطق».

 

ماذا أيضاً؟ «في لبنان «تهتري» السيارات بسبب الطرقات ويكلمّوننا عن السلامة المرورية. أي سلامة هذه والإطارات تتبدّل على أبواب المعاينة «لَتِمرُق السيارة» والقطَع تتغيّر على سبيل الإعارة لساعة أو أكثر أو أقلّ؟ هذا هو واقع المافيات المتحكّمة بالمعاينة بالاشتراك مع أصحاب محال الصيانة وقطع الغيار والمواطن كالعادة ضحية القطاع الأسود»، والكلام لعباس. وهو، مثل كثيرين، لا يستبعد أن يكون ثمة من يحرّك الاتحاد العمالي العام ويدفع برئيسه في هذا الإطار. وهي الجهات نفسها التي تسيطر على الكثير من المرافق العامة الأخرى. «منذ أن استلم الوزير عبدالله الأمين وزارة العمل، راحت النقابات تضع يدها على كافة الاتحادات بهدف القضاء على الحركة العمالية حتى أصبحت النقابات الحاضن الأول لجذور المنظومة الفاسدة. يتسابقون لضمان حقوق 400 موظف، لكن من يضمن حقوق آلاف عمال المصانع والمعامل التي أقفلت أبوابها بسبب الأزمة؟». ألف سؤالٍ وسؤال.