تختلف أسباب تعليق جلسات مجلس الوزراء هذه المرة عن سابقاتها، كونها ناتجة عن «خلو سدة رئاسة الجمهورية»، بينما كانت في كل المرات السابقة تنشأ عن تباين المواقف بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. وفي المرتين كان رئيس الجمهورية حاضراً وطرفاً في التعليق، فحتى إن كان غير موجود تبقى «ملائكته حاضرة». ويمكن اختصار الإشكالية التي أدت إلى تعليق رئيس الحكومة الدعوى لعقد جلسات مجلس الوزراء، بتباين الآراء حول صيغة ممارسة هذا المجلس للصلاحيات التي يتخذ وكالة عن رئيس الجمهورية «لسد غيابه»، وبما يتوافق مع أحكام الدستور أو لا يتعارض معها، فكيف يمكن ان يكون ذلك؟
عندما أولى المشترع الدستوري مجلس الوزراء الوكالة عن رئيس البلاد في المادة 62 ــ دستور لم يضع أي شرط لذلك باستثناء «خلو سدة الرئاسة»، ولذلك يصبح على مجلس الوزراء وضع ما يمكنه وصفه بـ «مراسيم تنظيمية» للعمل بتلك الوكالة من المقاربة بين الأحكام الناظمة لعمله، مع الأخذ بالاعتبار أهمية موقع رئاسة الجمهورية ودورها.
ووفق المادة 65 ــ دستور يلتئم مجلس الوزراء بأكثرية الثلثين ويتخذ قراراته إما بالتوافق، وإذا لم يحصل ذلك فبالأكثرية النسبية، أي بأكثرية الحضور أو بأكثرية الثلثين في «المواضيع الأساسية»، وهذه النسبة تكون محسوبة على أساس «أعضاء الحكومة المحدد في مرسوم تشكيلها»، وجاء في النص «ويعتبر مواضيع أساسية ما يلي (…) تمت الإشارة إلى 14 قضية تعتبر مواضيع أساسية، منها قانون الانتخاب والموازنة العامة وتعيين موظفي الفئة الأولى، ولم تتم الإشارة إلى التصويت بالوكالة عن رئيس الجمهورية. ولكن يتبين من النص ان ما أورده المشترع عن المواضيع الأساسية لم يكن حصرياً بدليل قوله «ويعتبر مواضيع أساسية» وليس المواضيع الأساسية، أو كان قد استبدل «ويعتبر» بحرف الواو فقط. والأهم من هذا، هل يمكن القول إن تعيين موظف من الفئة الأولى موضوع أساسي وإن التوكيل عن رئيس الجمهورية هو موضوع عادي؟! فمن هنا تصبح أكثرية الثلثين (3/2) من عدد أعضاء الحكومة المحددة في مرسوم تشكيلها نقطة انطلاق للإجابة عن السؤال الأساسي.
ولكن ما يستوقف هنا ما جاء في نص المادة 69 ــ دستور لجهة اعتبار الحكومة مستقيلة إذا فقدت أكثر من ثلث (3/1) عدد أعضائها «المحدد في مرسوم تشكيلها». وهذا يعني ان مجلس الوزراء الذي يتخذ قراراته في المواضيع الأساسية بالثلثين (3/2) كان يمكنه ذلك برغم معارضة الثلث (3/1)، فالمادة 69 أضافت «واحداً» على الثلث ليصبح أكثر من الثلث لتجعل من ذلك «تهديداً» بإقالة الحكومة وليس لعدم التصديق على الموضوع الأساسي الذي يكون مطروحاً للتصويت، وبهذا تكون الحكومة مكبلة في عملها، ويضطرها «تنازع البقاء» للأخذ بجميع المواقف التي تكون في أغلب المرات متضاربة ومتباينة.
ولذلك يمكن القول إن صيغة التصويت عن رئيس الجمهورية التي انطلقت من أكثرية الثلثين يمكن أن يضاف إليها زائد واحداً لتصبح «القرارات» الرئاسية التي يصدرها مجلس الوزراء بوكالته عن رئيس الجمهورية تحتاج إلى موافقة الثلثين زائداً واحداً، فمثل هذه الصيغة معتمدة في الدستور (المادة ــ 69) ومن شأنها ان تميز «الأعمال التوكيلية» عن المواضيع الأساسية الأخرى بجعلها أساسية مضاعفة تحترم موقع الرئاسة الأولى. كما يمكن القول إن مثل هذه الصيغة لا يمكن ان تؤدي إلى استئثار طائفة بالقرار وبالتالي يبقى «التوكيل الرئاسي» في عهدة كل الطوائف.
وما يلفت في هذا الإطار، ان المشترع عندما أشار في المادة ــ 69 إلى «فقدان الثلث…» اعتمد ما جاء في المادة 65 حرفياً لجهة «عدد أعضائها المحدد في مرسوم تشكيلها»، ويمكن ان يكون ذلك لتجاوز الاحتساب على أساس الوزراء الحضور ولكنه في الوقت نفسه لا يمكن استبعاد نيته بربط المادتين 65 و69 من خلال ما أشير إليها ببعضهما.
وما يمكن التوقف عنده الإشارة إلى الأكثرية الموصوفة المطلوبة الملحوظة في المادة 77 ــ دستور المتعلقة ببعض حالات تعديله، وهي وجوب توافر أكثرية الثلاثة أرباع 4/3. فهذه الأكثرية المعتمدة في الدستور يمكن ان تكون صالحة للاستناد إليها في تصويت مجلس الوزراء «للاعتراف بها قانوناً»، خصوصاً أن من نماذج المواضيع الأساسية التي وردت في المادة ــ 65 كان تعديل الدستور مع الأخذ بالاعتبار ان النصاب بالنسبة لممارسة «الوكالة الرئاسية» لا ينشأ عن الموضوع، أساسياً كان أم غير أساسي، إنما عن أهمية وموضع الموكِل ودوره، فمثل هذه الصيغة إذا ما اعتمدت يمكن ان يكون التصويت في الحكومة الحالية بموافقة 18 وزيراً (4/3) بدلاً من 16 في أكثرية الثلثين أو 17 في الزائد واحداً.
فهل يتم اختيار صيغة تصويت من مثل هذه الصيغ التي يمكن ان تكون محصنة بسند دستوري؟ أم تبقى المواقف على ما هي عليه ليتأكد عندها ان مسببات التعليق أبعد مدى كثيراً كثيراً مما يحكى ويشاع؟…