Site icon IMLebanon

دفاعاً عن الإعلام في وجه سياسة القمع

“الحرية مش رقم”: خمسة عناوين بخمسة فيديوات

 

يتزايد يومياً عدد الانتهاكات ضد حرية التعبير والصحافة في لبنان، بوتيرة متسارعة شبيهة بتصاعد سعر صرف الدولار، في بلد لطالما اشتهر بأنه رائد الحريات في العالم العربي. ولكن تشير الارقام الى أنّ بلد الحريات لم يعد على ما هو عليه، إذ تمارس ضد أحراره وإعلامييه كل انواع القمع وكمّ الافواه والعنف، ليس من قبل السلطات السياسية فحسب، بل من قبل “الشعب” نفسه، كما بدا واضحاً مع انطلاق ثورة “17 تشرين”.

 

فيما يشهد لبنان أسوأ أزمة اقتصادية معيشية واجتماعية في تاريخه الحديث، تقابلها ثورة شعبية ومخاوف من انفجار أمني، يتعرض الصحافيون والناشطون لجميع انواع القمع والضغط المباشر لفرض توجهات فئة معينة وأدبياتها عليهم، بدلاً من التركيز على القضايا الاجتماعية التي تقض مضجع المواطنين، كما حصل مع الزميلة جينا عفيش، مراسلة قناة “الحرّة”. وفي السنوات الثلاث الأخيرة، تخطت الانتهاكات الـ 500، ومع مطلع العام 2020 حتى بداية الشهر الخامس من هذه السنة سُجل أكثر من 80 انتهاكاً، أبرزها: 3 حالات شتم، 12 استدعاءً أمنياً، 21 حكماً قضائياً، 9 حالات منع تصوير، 17 حالة ضرب، 7 حالات رشق حجارة وقنابل غاز، و3 حالات برصاص مطاطي، بالإضافة إلى حالة واحدة برصاص عادي من مصدر مجهول، إلى جانب 3 حالات اعتقال مصورين، مع اعتقال صحافي واحد، بالإضافة إلى مخالفات بحجة “كورونا”، تم إلغاء بعضها بعد حالة الغضب التي سبّبتها. وتزامناً مع انطلاق ثورة “17 تشرين”، تحولت الانتهاكات من استدعاءات أمنية لصحافيين وناشطين، كما كان يحصل سابقاً الى اعتداء مباشر من قبل العناصر الأمنية، لعلّ أبرزها ما حصل أمام “ثكنة الحلو”.

أرقام، دفعت مؤسسة سمير قصير الى اطلاق حملة “الحرية مش رقم”، من خلال مركزها “سكايز” (عيون سمير قصير) المتخصص بالدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية، والذي يهتم برصد الانتهاكات اليومية ضد الصحافيين والعاملين في الشأن الثقافي في لبنان ودول الجوار: سوريا والأردن وفلسطين. فكان من الضروري توعية المجتمع حول أهمية حرية الصحافة، وخصوصاً بعد ما شهده الصحافيون في خلال تغطياتهم الميدانية لتحركات الثوار. على الأثر، سلطت الحملة الضوء على خمسة مواضيع اساسية: سجن الصحافيين، الإفلات من العقاب، الرقابة على الفنون، الاعتداء على الصحافيين واستقلالية القضاء. كل موضوع، صُوّر على شكل فيديو ونشر على مواقع التواصل الاجتماعي.

الحرية الفنية والأدبية ليست رقماً

الفيديو الاول، ركز في مضمونه على محاولة سجن 4 صحافيين وهم آدم شمس الدين، ميشال قنبور، فداء عيتاني وحنين غدار. إهتم الصحافي آدم شمس الدين، بتصوير الموضوع الاول للحملة، مؤكداً أنّ حرية الصحافة “ليست رقماً”، أياً يكن عدد الانتهاكات، مشيراً الى أنه “بدلاً من أن يكون الصحافي مطلوباً، المطلوب منع سجن الصحافيين”.

الإفلات من العقاب

كثر هم الصحافيون الذين تعرضوا للاغتيال او لمحاولة اغتيال من دون أي محاسبة للمعتدين. موضوع الحملة الثاني، إهتمت بنقله رئيسة مؤسسة سمير قصير، الإعلامية جيزال خوري، التي قالت إنّ “غياب المحاسبة يشرع الجريمة، فتصبح المجتمعات “أسيرة خوفها”. وشددت على أنّ “قتل الصحافيين ليس رقماً والمطلوب محاكمة قتلة الصحافيين ومعاقبتهم”.

خلال الاعتداء على المصوّر حسن شعبان

الرقابة على الفنون

في الفترة الاخيرة، منع عرض أكثر من فيلم، مثل “بيت البحر” للمخرج السينمائي روي ديب، الذي تحدث في الفيديو المصور عن الرقابة على الأعمال الفنية في لبنان، قائلاً إن “هناك أعمالاً فنية لبنانية تجول العالم، لكنها ممنوعة في بلدها”، معتبراً أنّ “الحرية الفنية والأدبية “ليست رقماً” أياً يكن عدد قرارات الرقابة، والمطلوب إلغاء الرقابة على الأعمال الفنية”.

الاعتداء على الصحافيين

خلال ثورة “17 تشرين”، كثرت المشاهد التي وثقت الاعتداء المباشر على الصحافيين خلال تأديتهم لواجباتهم، ولا سيما الضرب على الرأس والجسم واطلاق الرصاص المطاطي. في هذا الاطار، صور المصوران الصحافيان مروان طحطح وحسن شعبان فيديو أكدا فيه أيضاً أنّ “حرية الصحافة “ليست رقماً”، وأشارا الى أنّ “الاجهزة المعنية لا تتحرك، على الرغم من معرفتها بهوية المعتدين، من هنا ضرورة وقف القمع والعنف ضد الصحافيين”.

آدم شمس الدين: ممنوع سجن الصحافيين

استقلالية القضاء

خلال التحقيق مع الصحافيين وثقت مخالفات خارجة عن القانون أبرزها طريقة الاستدعاء، المهلة القانونية للتحقيق، والاجبار على توقيع التعهدات. فتناولت المديرة التنفيذية للمفكرة القانونية المحامية غيدا فرنجية الموضوع الاخير من الحملة، مطالبةً باستقلالية القضاء، إذ انه لا يمكن الدفاع عن حقوق الناس، إن لم يكن هناك قضاء مستقل”.

منذ اليوم الأول لانطلاقها (الجمعة 12 حزيران) وحتى الآن تلاقي الحملة تفاعلاً وانتشاراً واسعين، وخصوصاً أنّ الرسائل الموجهة في الفيديوات واضحة وسهلة لغوياً، ويمكن للجميع فهمها. أمّا هدفها فهو “نشر حقل معجمي عند الناس للدفاع عن حرية الصحافة من جهة، وعن حرية اي فرد يتمتع برأي مختلف من جهة أخرى، على امل أن تحقق هدفها الفعلي، وتحد من الاعتداء على الجسم الصحافي، فمؤسسة سمير قصير، تستعمل كل الادوات المتاحة لها لحماية الصحافيين، ان كان من خلال نشر الحملات التوعوية، أو توثيق الانتهاكات، او بالحديث عن وضع الصحافة في الاعلام المحلي والعربي والدولي”، حسبما يوضحه المسؤول الاعلامي لمؤسسة سمير قصير جاد شحرور، الذي اعتبر أنّ “الحملة ليست آنية، بل ستستمر نظراً لمضمونها، اذ تظهر خطورة القمع، وسياسات كمّ الافواه الموجهة ضد الصحافة، وبالتالي كل فرد في مهنة البحث عن المتاعب، معني في هذه الحملة، غير المحصورة بالصحافيين فحسب، بل تشمل المجتمع بكامله، الذي يلعب دوراً اساسياً في حماية الصحافيين”. ويرى شحرور أنّ “السلطة الرابعة تستمد قوتها من الشارع، لأنها تنقل صوت الشعب، ومن واجبها حمايته سواء اتفق أهل الحكم أو اختلفوا بالرأي وبمقاربة المحتوى الذي يقدمه كل صحافي.

بعد تعرّضه للضرب أمام ثكنة الحلو

وكان الصحافيون قد تعرضوا في تغطيتهم للتحركات الشعبية للكثير من الإعتداءات اللفظية والجسدية من قبل المتحمّسين الثائرين الغاضبين… من هنا ضرورة ترك الصحافي يقوم بعمله، وانتقاد عمله من خلال وسائل التواصل الاجتماعي مثلاً، التي لعبت دوراً محورياً بانطلاق الثورة، حيث استخدمها الثوار لنقل تحركاتهم ومطالبهم بطريقتهم وبلغتهم، من خلال صفحاتهم الخاصة بهم، فلماذا لا يستعملونها ايضاً للاعتراض على ما يقدمه أي صحافي يعارضونه الرأي أو يخالفون سياسة وسيلته الاعلامية، بدلاً من استعمال العنف والقمع معه؟”.