أَولى الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصرالله الشأن الإعلامي تركيزاً خاصاً في كلمته الأخيرة التي ألقاها في 14 شباط 2021 وتناول فيها دور وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي في استهداف الحزب لتشويه صورته «المقاوِمة» وإسقاط هيبتها من خلال إلصاق التهم بالحزب وتوجّيه السباب والشتائم والإهانات إليه، في موقف شكّل إشارة الانطلاق لتحرّكٍ منسّق لأذرع الحزب السياسية والنيابية بهدف محاصرة مصادر النيران الإعلامية التي تستهدفه وإسكاتها بجميع الوسائل المتاحة.
كانت كلمة نصرالله من المرات النادرة التي يتحدث فيها إلى «جيشه الإعلامي والالكتروني»، ويتوجه لهم بالشكر العلنيّ ويدعوهم للتصدي لكلّ ما يستهدف الحزب إعلامياً وعبر وسائل التواصل، في إشارة إلى ضيق الصدر الواضح من الواقع الإعلامي السائد.
بدأ «حزب الله» مواجهته مع الإعلام عبر استخدام واجهتين رسميتين:
– المجلس الوطني للإعلام: الذي يرأسه عبد الهادي محفوظ بحكم الأمر الواقع، نظراً لانتهاء ولايته منذ سنوات، وقد تولى الاتصال برئيس مجلس إدارة قناة «أم.تي.في» ميشال غابريال المر، بعد الحلقة النارية للإعلامية ديما صادق، وأصدر باسمه بياناً يعلن التراجع عن اتهام «حزب الله» بالمسؤولية عن اغتيال لقمان سليم، والتعهد بالاطّلاع المسبق على الحلقات السياسية لضمان عدم تكرار ما حصل.
– لجنة الإعلام والاتصالات النيابية التي يرأسها النائب حسين الحاج حسن، والذي ترأس يوم الأربعاء 17 شباط 2021 جلسة للجنة، قال إنها «لمعالجة» ما أسماه «الظواهر الإعلامية التي تراكمت خلال الفترة الماضية». ولفت أن حرية الإعلام لا تعني بثّ ما من شأنه «تهديد الاستقرار والأمن الوطني وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية والاجتماعية أو القدح والذم أو الافتراء، وخصوصاً الجنائي غير المستند إلى تحقيق أو معلومات أو معطيات».
اللافت في التحركين أنّهما يتسمان بخرق القانون، فالمجلس الوطني للإعلام منتهي الصلاحية ولا وجود في نظامه لما يمكن اعتباره تصريفاً للأعمال، وبالتالي فإنّ كلّ أعماله مشوبة بالارتياب المشروع في الدور والتوجه، مع الانحياز الواضح لرئيسه المنتهية ولايته إلى «حزب الله» ومحوره السياسي.
تجاوز محفوظ القضاء عندما أطلق حكمه على حلقة ديما صادق ليستنتج بأنها اتسمت بعدم المهنية والانحياز، فهل أصبح يحتل مكان القضاء الذي كان يفترض اللجوء إليه لحسم الموقف، ولماذا يجري تجاوز محكمة المطبوعات، وهي المرجع القانوني الصالح لبتّ النزاعات المختصة بالإعلام؟
أما استدعاء النائب حسين الحاج حسن لرؤساء مجالس إدارات القنوات التلفزيونية، وإخضاعهم لما يشبه التحقيق النيابي، كما قال النائب المستقيل سامي الجميل، فإنّه لا صفة قانونية ولا دستورية لهذا الاستدعاء ولا يحقّ للجنة الإعلام النيابية التعاطي مع وسائل الإعلام بشكل مباشر.
يمكن قراءة استراتيجية «حزب الله» تجاه الإعلام باتجاهات ثلاثة:
– وضع الخطوط الحمراء أمام الإعلام، لخصها النائب حسين الحاج حسن بالآتي: «تهديد الاستقرار والأمن الوطني (..) أو الافتراء، وخصوصاً الجنائي غير المستند إلى تحقيق أو معلومات أو معطيات».
وهنا يسأل إعلاميون متابعون لهذا الملف: كيف يمكن تحديد وتعريف ما يهدّد الاستقرار والأمن الوطني؟ وهل جميع اللبنانيين متساوون في تحديد هذه الإشكالية، أم أن الاستقرار والأمن يصبحان مهدَّدَين فقط إذا جرى المسّ بما يعتبره «حزب الله» تهديداً للسلم الأهلي؟
– الضلع الثاني في توجُّهات الحزب هو استخدام مؤسّسات الدولة التنفيذية للحلول محلّ القضاء وتسخيرها للضغط على الإعلام والإعلاميين، وهو ما أشار إليه النائب الحاج حسن عندما «شدّد على أهمية دور وزارة الإعلام والمجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع» في معالجة «الظواهر الإعلامية» المزعجة للحزب.
– المحور الثالث في تعاطي الحزب مع الإعلام هو التهديد بالجمهور الغاضب الذي لا يقبل الاستفزاز، وهو ما أشار إليه الحاج حسن عندما برّر قطع بثّ قناتي «الجديد» والهجوم عليها، وحجب قناة «أم.تي.في» عن الضاحية والجنوب، بالقول إنّ «هناك جمهور يتفاعل تجاه أي محتوى بأي محطة تلفازية».
يطلق «حزب الله» وأمينه العام شخصياً اتهامات التخوين على خصومه من دون أيّ دليل أو بيّنة، كما حصل عندما تحدّث عن «شيعة السفارة (الأميركية)» ثم قامت صحيفة الأخبار بنشر صور الأشخاص المدانين سلفاً بالعمالة، انطلاقاً من حكم مبرم أصدره نصرالله، فلماذا يُلزم خصومه المستهدفين بالقتل دائماً، أن يقدِّموا الأدلة على اتهام الحزب باستهدافهم، بينما هو يطلق الاتهامات ولا يكلّف نفسه عبء تقديم دليل مقنع؟ وإذا كان «حزب الله» يريد اللجوء إلى القانون، لماذا لا يتقدم بالشكاوى أمام محكمة المطبوعات لتصدر أحكامها بدل إطلاق هذه الحرب الشرسة على الإعلام؟
أما المسألة الأخرى الشائكة، فهي كيف يمكن الفصل بين «حزب الله» وبين الأفعال التي يقوم بها جمهوره، وكيف يمكن للحزب أن يهدِّد الآخرين بغضب هذا الجمهور، ثم يتنصّل من ممارساته، تماماً كما جرى تخوين لقمان سليم وتهديده، ثم اعتبر نصرالله أنّ حزبه لم يخوِّن أحداً.
يحاول «حزب الله» استغلال فقدان التوازن في السلطة، وغياب المعارضة الفاعلة، للاستفراد بما تبقى من إعلام مستقل أو شبه مستقلّ، ويسعى لفرض رقابة غير معلنة على محتوى البثّ الإعلامي، وعلى الشخصيات التي تظهر على الشاشات، عبر تكليف قياديين فيه بالتواصل مع إدارات المحطات الإعلامية، وتسليط المجلس الوطني للإعلام عليها، وتوكيل المجلس بصياغة ما يسمى «ميثاق شرف» إعلامي للإمساك بزمام المواقع الالكترونية.
أخيراً، بينما يبقى السؤال الأخطر بعد كلّ هذا الحصار على الإعلام: هل يدافع «حزب الله» عن سمعته في مواجهة الاتهامات بالاغتيال، أم أنّه يريد ضمان إسكات الجميع عند حصول الاغتيال التالي؟