إذا أخذنا الأمور بظواهرها يمكن القول إن الاستعدادات جيدة، على ما يبدر من الوزراء الجدد. إلا أن المنطق يقتضي منح الحكومة «فرصة» محدودة، ليكون الحكم على الأعمال وليس على الأقوال والمظاهر.
ولقد لفتتني دعوة الرئيسين عون وميقاتي الوزراء إلى الانصراف إلى العمل والإقلال من الكلام. نعرف أن ثمة شغفاً لدى معظم أعضاء الحكومة للأضواء… ولكننا نعرف أن شباب الحكومة وكهولها والشيوخ يدركون أن لبنان تحول منذ سنوات طويلة إلى برج بابل فيه الكثير من الطنين والرنين والسفسطة والآراء الخنفشارية، وبالتالي ليس في حاجة إلى المزيد، في وقت بلغ الانهيار في المجالات كافة. وبات في حاجة ماسة إلى الأفعال الإنقاذية.
وفي هذا السياق نأمل أن يعتصم الوزراء بحبل الصمت، خصوصاً أن الناطقَين باسم الحكومة هما، بالقانون والعرف، رئيسها ووزير الإعلام، ويصدف أن الوزير الزميل الأستاذ جورج قرداحي هو ابن بجدتها، ويستطيع أن يقوم بالدور على أكمل وجه، لما له من تجارب منبرية وشمول ثقافة. أما الوزراء الآخرون فليدركوا أن الإعلام سلاح ذو حدين، وكثيراً ما يكون ذا مردود قاتل صاحبَه.
ونحن من الذين يعتقدون بأن أحد أهم الرؤساء الذين تميزت عهودهم بالنجاح، إنما ساعده صمته في نجاحه… عنيت به الرئيس المرحوم فؤاد شهاب الذي كان بعيداً عن الأضواء ولكنه تحت مظلة الأفعال.
حتى الرئيس المرحوم كميل شمعون الذي كانت تليق به الأضواء بذكائه الحاد و»الكاريسما» التي كان يتحلى بها، وتمكنه من ناصية الكلمة في اللغات الثلاث (العربية والفرنسية والانكليزية) لم يكن يتحدث إلا مرتين في السنة، في عيد سيدة التلة شفيعة دير القمر، وفي عيد الاستقلال.
إلى ذلك لا نرى أن الفرصة المعطاة إلى الحكومة، قبل الحكم عليها، تتجاوز الأشهر الثلاثة، فلا أوضاع لبنان تحتمل ترف المزيد من الجرجرة والتأجيل، ولا المهلة الزمنية الدستورية تأذن بالمزيد أيضاً، إذ إن الفارق بين هذه الحكومة وسواها أنها محكومة بالاستقالة فور إجراء الانتخابات النيابية، أي أن عمرها فقط ثمانية أشهر لا غير. وهي مهلة لا تتسع لإقرار البنود العديدة التي يضيق بها جدول الأعمال المفترض…
فكثيراً من العمل، وقليلاً من الحكي.