Site icon IMLebanon

الإعلام . . ومتاريس الشاشات

 

لسانُكَ لا تذكُرْ بِـهِ عورةَ امريءٍ فكُـلُّكَ عـوراتٌ وللناسِ ألسُــنُ
وعينُكُ إنْ أَبـدَتْ إليكَ معايبـاً فصُنْها وقُلْ يا عينُ للناسِ أعيُـنُ
الإمام الشافعي.

نستوحي من العيد السابع لجريدة «الجمهورية» مثالاً راقياً يجسّد رسالة الإعلام ويعني: أنَّ جمهورية الكلمة هي التي تصنع جمهورية الدولة.
وأنَّ الإعلام ليس متاريس منصوبة في الهواء للتراشق بالأسهم المسمومة، والوحشّي من الكلام الساقطِ إِسفافاً الى مستوى سوق النخّاسين …!

وليس هو مهنةَ تكسُّبٍ، أو وسيلة ارتزاقٍ يعتمدها النابغة الذبياني فيمدح الغساسنة حيناً وأخصامهم المناذرة حيناً آخر، بما عُرِفَ بالشعر الذليل …

الإعلام أيها السادة هو واجب نبيلٌ ورسالة إنسانية وأخلاقية وحضارية وثقافية وترفيهية راقية.. تتعالى عن سفاهة الإيحاءات الجنسية والتشبيهات الخلاعية الفاقعة..

والمنافسة التلفزيونية التي تتحول من حروب شريفة باردة الى حروب خسيسة حامية، باختلاق الفضائح وابتكار العيوب، هي حروب ترتدّ على أصحابها، وإنّ للناس ألْسُناً وللمشاهدين أعيُـناً تنتفض بقشعريرة غضبٍ وانقباض، حيال ما يتراكم أمامها من أوساخ على الشاشات، ومن هبوطٍ للقيم الى مستوى القُمَامة.
يا جماعة:

عندما أنشئتْ إذاعة (بي.بي.سي.) البريطانية 1927، وبالرغم من كونها مؤسسة غير حكومية ، فقد صدَرَ ميثاق ملكي «يمنح الإذاعة حق تقديم الأخبار من دون أي تحيّـز سياسي أو إسفاف أخلاقي وهي تعتبر مسؤولة عن إداء واجبها أمام الأمّـة..»

وعندما أَطلق، باحثون فرنسيون وأميركيون كلمة إعلام على الإتصال الجماهيري، فلأن لغة الهواء أصبحت ملاصقة للوجود الإنساني، تقتحمه عنوةً وتتوغل في حياته اليومية وخصوصياته الحميمة، فهي بذلك رسالة تحمل كلمة البشارة التي ارتبطت بما هو مقدّس في كينونة المسيح «في البدء كان الكلمة» وهي كلمة التبشير التي يتردد صداها في المآذن «وأذّن في الناس بالحج».

إذا كانت كلمة السياسيين جاريةً تستهوي أصحاب العباءات، فإنّ كلام الإعلاميين يجب أن يرقى الى مستوى المرسلين… وإذا كانت الكلمة السياسية سلاحاً قاتلاً، فإنَّ الكلمة الإعلامية سلاحٌ على السلاح…

نحن مارسناه إعلاماً في تلك التي كانت «صوت لبنان» فجعلناه في أيام الحرب أقرب الى السلم، فلا يُعقل في أيام السلم أن يُمارسَ إعلامٌ هو أقرب الى الحرب…

ولعلّ الحروب التي اندلعت في العالم العربي مردُّها الى مصادرة الإعلام الحر وثقافة القلم في زنزانة القبضة البوليسية، حتى إنّ نابوليون عندما وضع الصحافة تحت رحمة مدير الشرطة بدأت الأمبراطورية النابوليونية بالإنهيار.

يقول خطيب الثورة الفرنسية الصحافي ميرابو: في كتيِّب نشره سنة 1788: «من دون حرية الصحافة لا تتأمَّن الحريات الأخرى… «أي أن السلطة الرابعة هي المؤتمنة على الحريات السياسية والعقائدية والدينية، كما على الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولأنكم أنتم مسؤولون عنها أمام الأمة والتاريخ.
إذاً، يا جماعة: خذونا بحلمكم.