Site icon IMLebanon

اللعبة الإعلامية الخادعة

 

 

منذ مجزرة مجدل شمس الخبيثة والمموّهة، وما تلاها من إغتيال قائدين كبيرين لحماس وللحزب: الشهيد إسماعيل هنية في إيران، والشهيد فؤاد شكر، في الضاحية الجنوبية من لبنان، بدأت الحرب الإعلامية تشتد وتمتد، من الجولان المحتل، إلى جبهة لبنان، إلى غزة إلى العراق وسوريا، إلى طهران، التي إتخذها مجمع الساحات بقيادة الحرس الثوري الإيراني، منبرا إعلاميا له، يعلن عن نفسه بنفسه، أنه مركز القرار، وأنه مرجع الساحات، وأنه المختبر الإعلامي، لجميع التحركات في منطقة الشرق الأوسط، حيث ساحاته المناوشة والمساندة، وحيث الجوار الإقليمي المعني بها، وحيث العدو الإسرائيلي، الذي كان قد سبق إلى المناورة بالإعلام وعلى الأرض، منذ سفر نتنياهو إلى واشنطن، الذي يشبه «سفر برلك»، وكذلك بعد عودته، وتتويج زياراته التاريخية لها، بإرتكاب المجازر والإغتيالات، وإطلاق حملته العسكرية التي لا ترحم الشعوب ولا الساحات، ولا الأهالي العزّل الجيّاع، ولا حتى الشيوخ والنساء والأطفال.

جيّر العدو الإسرائيلي جريمته المنصوبة لمصلحته، وصار يعتبر نفسه حاميا للأقليات وللمضطهدين وللناس المقهورين والمقموعين، والذين يعيشون تحت رحمة الله. فلاقت حملته الإعلامية صداها في واشنطن وصفق له مجلس الشيوخ، واستقبله مجلس النواب بالهتافات الحارة، واجتمع بالرئيس بايدن ونال رضاه، واجتمع بالمرشحين للانتخابات: ترامب وسائر المهتمين. فجهّزت الولايات المتحدة حملتها على الفور، وسيّرت سفنها إلى الشرق: حاملات طائراتها وغواصاتها وفرقاطاتها الحربية، وهدفها سواحل المنطقة، حيث تتم عمليات القتل والإبادة الإسرائيلية لإسنادها، ولحراستها من قوى المقاومة، وتوجيه الضربة اللازمة واللازمة لقوى الجوار المعادية، إسنادا لإسرائيل في إستكمال جريمتها التاريخية بإبادة سكان غزة والقطاع.

 

باتت إسرائيل أقوى، بعد مجزرة الجولان المحتل، ورحلة نتنياهو لطلب المساندة، تمارس لعبتها الإعلامية، بأنها عاجزة لوحدها، على مواجهة النيران التي تطالها من كل الساحات، فكان أسطول الإسناد الحربي الأميركي، في الطريق إلى سواحلها، حماية لمعركتها الوجودية. وصار الإعلام الغربي كله، منشغلا بها، صار مهتما للغاية، بعدم التفريط بالدولة الإسرائيلية، كونها جدار الغرب في الشرق، وحامية الحريات من ساحات مستجدة عليها، تريد إغراقها بالدماء، وكذا محوها من الوجود، وشطبها من معادلات منطقة الشرق الأوسط كلها. صار الإعلام الغربي، على عكس ما كنا نراه في السابق، داعما للمجرمين الإسرائيليين، الذين استطاعوا تمويه جرائمهم اليومية، باللعبة الإعلامية الصناعية الكاذبة والمموّهة للأغراض، والتي تريد أن تحشد طلاب الجامعات خلفها، استكمالا لمشروعها التدميري الذي يمحو كل يوم الجريمة بالجريمة.

 

تخوض إسرائيل اليوم أخبث معاركها الإعلامية، تمعن بحملة الإبادة الجماعية في غزة وفي فلسطين وفي لبنان، تحمل بجرافاتها وطائراتها ومسيّراتها، لتهجير من تبقّى من الأهالي، ثم تروّج لدعايتها الممجوجة والكاذبة سلفا، بأنها محاصرة بوحدة الساحات وبإجتماع قوى الحرس الثوري الإيراني وأذرعه عليها، وأنها «ترتجف قصبا»، من هدهد قريب، أو مسيّرات تأتيها على رسلها من بعيد، تغزو سماء مهاجعها وترساناتها الحربية، وبأنها لا تنام، لا في مستوطنات الشمال ولا في القرى والمدن والمستعمرات التي احتلتها، ولا في حيفا ويافا وعكا وتل أبيب التي سرقتها، ولا في جميع أراضي 1948، ذلك أنها تخشى إجتماع الأمة عليها، وتخشى كذلك الصواريخ التي تسقط قبل أن تصل إليها. لا تريد لشعبها أن يقلق ولو في نومه، ولو في منامه. وما تريده فقط، هو المزيد من التمويل الحربي، والمزيد من السلاح المتطور، لتجريب فاعليته، في «ساحات الأعداء»، الضيقة والواسعة على حد سواء.

الإعلام الإسرائيلي، ومعظم الإعلام الغربي الأعمى، يوجّه كاميراته ورسائله وخطاباته وشاشاته كلها اليوم، على قلق الصهاينة، وعلى هواجسهم، وعلى خوفهم وخوف المهاجرين إلى إسرائيل، وكيف أن الشعب الإسرائيلي محاصر من كل الساحات، وهو يتعامى عن رؤية المجازر في غزة منذ عشرة أشهر، وعن عمليات الإبادة الجماعية، وعن جرائم الإسرائيليين التي يرتكبونها ضد الإنسانية، وعن قتل الأطفال، والأطفال الحديثي الولادة.

ترى الإعلام الغربي يعتّم تعتيما كليا على هدم المدارس والجامعات والمستشفيات، ويمنع تصوير دبابات العدو، وهي تسحق الناس في الشوارع المختنقة بمياه المجارير السوداء، وبركام البنايات، وبحطام المخازن، وبأكداس هياكل السيارات المحترقة في كل مكان.

اللعبة الإعلامية اليوم للأسف، هي بيد إسرائيل، تسوّق للعالم كله، أنها مهدّدة بوجودها، وأن التهويل الإيراني، ليس إلّا تهديدا لكيانها، وأنها لا بد أن تنفذ وعيدها، طيلة الأسابيع والأشهر وربما السنوات القادمة. وأن الشعب الإسرائيلي، هو محاصر الآن بين النيران، وأن على العالم الحر، أن يقف إلى جانبها ويدرك في عمق إيمانه، أنها تخوض معركته، لا معركتها.

لهذا كله، نرى معظم دول الغرب كما معظم دول العالم تنطلي عليها دعاواها وأكاذيبها. نرى العالم يستنفر لسحب رعاياه من دول «الساحات المصطنعة» لها، لأنها تحمل في معنى نشوئها وبنائها وتقويتها وحراستها، كل عناصر القوة التي تجتمع عليها، بعد أن كانت ولا تزال، تمعن في شنّ العدوان اليومي، على محيطها الإقليمي، وتكثف من الضربات الذكية في الاغتيالات، ولا تتأخّر في شنّ الغارات وإعلان الحرب عليها في كل وقت.

إسرائيل اليوم تحارب بالإعلام الذكي، تماما كما تحارب بالمسيّرات الذكية، توجه الرأي العام لمصلحتها، وتفيد من كل الأخطاء على الأرض، فتوظّفها لمصلحتها، تدير اللعبة الإعلامية بالذكاء الإصطناعي، تماما كما تدير الإغتيالات بالضربات الذكية وتجعل معظم المواقع الغربية في خدمتها، حتى تغطي على جرائمها أقلّه، منذ عشرة أشهر، فلا يعود أحد يحاسبها. وها هي الأساطيل وحاملات الطائرات الأميركية في الطريق إليها، مستفيدة من اللعبة الإعلامية الإصطناعية الخبيثة، التي تتبعها.