IMLebanon

«الإعلام الحربي».. امتصاص «الفورة» بوثائق مزوّرة

لا تُشبه الحرب التي يخوضها «حزب الله» في سوريا منذ العام 2011، أياً من الحروب التي سبق وخاضها ضد اسرائيل منذ تأسيسه في بداية الثمانينات وحتى حرب تموز 2006، لا في الشكل ولا في المضمون ولا حتى في جوهر الصراع بين الأمس واليوم. فعلى الرغم من السنوات الخمس الفاصلة بين آخر الحروب ضد إسرائيل وتوجيه البوصلة نحو الداخل السوري، يحاول الحزب فرض توجهاته السياسية على أبناء بيئته وتحويلها أو قلبها إلى عقائدية، من خلال منحه حربه اليوم غطاءً دينياً تحت مسميات جديدة مثل «الواجب الجهادي» و«لن تُسبى زينب مرتين» وصولاً إلى نغمة «حماية المقامات».

ويبقى الهدف الأبرز وربما الأوحد من كل هذه المحاولات، إقناع «حزب الله» جمهوره بأن الحرب التي تُخاض في سوريا اليوم، لا تقل بأي شكل من الأشكال لا من الناحية السياسية ولا الشرعية، عن تلك التي كان يخوضها ضد إسرائيل. وللهدف نفسه، كان أدخل مفهوماً أو مفردات جديدة على هذه الحرب جميعها تنطلق من خلفية مذهبية الهدف منها إشعال النعرات المذهبية والطائفية أولاً، وإعطاء رخصة دينية لحربه هذه مدموغة بدعوة عناصره إلى الأخذ بالثأر بناءً على معتقدات وروايات أنتجتها عقول تقف خلف مشاريع ايرانية توسعية في المنطقة كلها، تبدأ من ايران ولا تنتهي في لبنان.

الخسارة التي مني بها «حزب الله» في حييّ المنشية وسجنة في درعا منذ أيام، ما زالت تتفاعل داخل بيئته وسط استهجان كبير خصوصاً لجهة عدد العناصر الذين سقطوا ووصل إلى 17 عنصراً خلال أقل من 24 ساعة، وهي خسارة كبيرة لم تعتدها بيئة الحزب منذ وقت طويل، الأمر الذي طرح أكثر من علامة استفهام حول الأسباب الحقيقية التي أدت إلى وقوع هذه الخسارة خصوصاً في ظل ارتفاع منسوب الشك بشكل كبير لدى جمهور الحزب بعد ورود معلومات عن خيانة ما ارتكبها بعض الضباط الكبار في الفرقة الرابعة التي يرئسها ماهر الأسد شقيق رئيس النظام السوري. ويأتي هذا الشك، بالتزامن مع كشف اتصال لأحد الضباط السوريين وهو يتحدث عن كيفية مقتل القيادي في «حزب الله» مصطفى بدر الدين وفيه تلميح إلى تنسيق بين الحزب والنظام و«فيلق القدس» الذي كان رئيسه قاسم سليماني متواجداً في المكان الذي اغتيل فيه بدر الدين في أيار من العام الماضي، بحسب الكلام الصادر عن الضابط المذكور.

من جهته، يصر «حزب الله» الذي ما زالت قيادته تحاول إمتصاص الخسارة وسحبها من التداول بين بيئتها وجمهورها، على خوض معركة درعا في محاولة منه لاستعادة الدور الذي مارسه في حلب وتحقيق إنتصار عسكري ومعنوي الهدف منه تثبيت وجوده في تلك المنطقة القريبة من العاصمة دمشق حيث ثقله العسكري، وأيضاً من اجل حفظ ماء الوجه أمام جمهوره. وعلى قدر الأهمية التي يوليها الحزب لهذه المعركة، فقد عزّز خلال اليومين المنصرمين، وجوده في درعا وأرسل تعزيزات عسكرية مكنته من استرجاع بعض المساحات التي كان خسرها نهاية الاسبوع الماضي لصالح «الجيش السوري الحر». لكن الأسوأ بالنسبة إلى بيئة «حزب الله»، هو عودة مشاهد الموت والتشييع مجدداً بعد غياب متقطع منذ إنتهاء معركة حلب.

وكما هو معروف، فان سيطرة المعارضة على حي المنشية سوف يُمكنها من الوصول إلى مشارف درعا المدينة، كما أن خسارة النظام للحي ستؤدي إلى تقليل وتيرة القصف المستمر على أحياء درعا البلد الواقعة تحت سيطرة المعارضة. وتمثل هذه المعركة أهمية كبيرة لقوات المعارضة في الجبهة الجنوبية لسوريا، وفي حال السيطرة على المنشية فإن ذلك سيجنّب الفصائل خطر حصار النظام لهم، وتكرار سيناريو حلب عبر حصارها وإمطارها بالقذائف ثم إجبارها على الانسحاب والخروج. والأبرز أن سيطرة النظام سوف تضع المعارضة بين فكي كماشة، بحيث يتواجد مقاتلو «داعش» في الريف الغربي والنظام في الريف الشرقي.

وبالعودة إلى مأزق «حزب الله»، فان التأثير الكبير الذي خلفه سقوط عدد كبير من عناصره في درعا بين جمهوره، حاول «الإعلام الحربي» وبعض الناشطين في الحزب التغطية عليه من خلال نشر مقاطع مصورة تُظهر عمليات اقتحام لمواقع المسلحين بالإضافة إلى عملية أسر عناصر قيل إنهم ينتمون إلى تنظيم «داعش». ولكن سرعان ما انكشفت فبركات «الإعلام الحربي» على يد ناشطين موالين للثورة السورية من خلال تفنيدهم كل ما تم نشره وكشفهم أنه يعود الى سنوات خلت وهو ليس بجديد كما حاول إعلام الحزب تسويقه من أجل رفع معنويات جمهوره وحرف الأنظار عن الخسائر البشرية وإمتصاص غضب الأهالي خصوصاً في منطقة البقاع التي كان لها النصيب الأوفر من هذه الخسارة. وبشكل أوضح، يصح القول إن «حزب الله» حاول امتصاص «الفورة» بين جمهوره بمقاطع مصورة ولو مزّورة. وتبقى المرحلة الأصعب ما يُمكن أن تحمله معركة درعا.