Site icon IMLebanon

الضمان الصحي «شكلي»: لا غطاء للمضمونين!

 

 

أزمة الدواء إلى مزيد من التأزّم. لم يعد الفقدان والشحّ ما يشغلان بال المرضى فقط، بعدما أضيفت إليهما مشكلة تحصيل هؤلاء بدل أدويتهم من الجهات والصناديق الضامنة. إذ ارتفعت أسعار معظم الأدوية، وتحديداً تلك التي خرجت من لوائح الدعم وحتى بعض الأدوية المدعومة، فيما بقيت أسعارها لدى الجهات الضامنة على أساس سعر الصرف الرسمي (1500 ليرة للدولار)

 

آثرت وزارة الصحة، في عزّ مواجهة غير متكافئة مع كارتيل الأدوية ومصرف لبنان، «ابتكار» حلولٍ تعفي المرضى من فقدان أدويتهم. فعملت على إيجاد صيغة تحثّ أصحاب شركات استيراد الدواء على تحرير الأدوية المخزّنة في مستودعاتهم وإحداث انفراجة ولو مؤقتة في سوق الدواء. قضت تلك الصيغة بتقسيم الأدوية وفق لائحتين تراعيان الأولويات، ضمت الأولى الأدوية المدعومة التي بقي العمل فيها يسير وفق آليّة الدعم التي وضعها المصرف المركزي، فيما ضمت الثانية أدوية خارج الدعم وهي في معظمها مما لا يحتاج إلى وصفة طبية، على أن تسعّر وفق سعر منصة خاصة بمؤشر الدواء، ويجري تعديلها كلما دعت الحاجة.

 

اليوم، يبلغ سعر مؤشر الدواء 16 ألفاً و460 ليرة. يعني ذلك أن الدواء الذي كان سعره 10 آلاف ليرة يُباع اليوم بـ 110 آلاف. ولئن كان وزير الصحة السابق، حمد حسن، قصد من ذلك التدبير استعادة المسار الطبيعي للدواء، إلا أن المستوردين وبعض الصيادلة كانوا في واد آخر. هكذا، لم يُعِد المؤشر الكثير من الأدوية المفقودة إلى رفوف الصيدليات، ولا التزم بعض الصيادلة بسعر المؤشر، فلجأوا إلى التسعير على أساس سعر الصرف في السوق الموازية.

أما المشكلة الأبرز فتكمن في تحصيل المرضى لفواتيرهم لدى الجهات والصناديق الضامنة، وتحديداً الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إذ إن الفارق شاسع بين أسعار الأدوية على رفوف الصيدليات وأسعارها الدفترية في لوائح وزارة الصحة، من جهة، وبين لائحة مؤشر الأدوية في الصندوق التي لا تزال تحتسب سعر الدواء على أساس 1500 ليرة للدولار. للتوضيح أكثر، تقول إحدى المريضات إنها اشترت دواء «بقيمة 187 ألف ليرة، فيما ملأ لي الصيدلي الفاتورة التي سأقدمها إلى الضمان بسعره الأصلي البالغ 8 آلاف و500 ليرة. مزّقت الأوراق بعد خروجي من الصيدلية لأنني دفعت 187 ألفاً ثمن الدواء و40 ألفاً بدل مواصلات لأحصل على 7 آلاف ليرة»! لذلك، لم يعد كثيرون من المضمونين يقدمون أوراق المساعدات المرضية، لأنها «لم تعد تفي بالغرض، حتى إنها لا تكاد تسدّ ثمن المواصلات والتعب»، على ما يقول أحد المضمونين الذي اشترى دواء لالتهاب المعدة بـ 320 ألف ليرة، فيما يسعّره الصندوق بـ 18 ألف ليرة.

 

أيّ تعديل في لائحة أسعار الضمان يعني إفلاس الصندوق

 

 

اليوم، يدفع المضمونون لقاء لا شيء، فيما الصندوق الذي يضم مليوناً و500 ألف مضمون «ليس في قدرته تعديل لائحة الأسعار ولا الالتزام بمؤشر الأسعار لوزارة الصحة»، على ما تقول مصادر في الضمان، إذ «لا ميزانية تسمح بذلك، وأيّ تعديل من هذا النوع يعني إفلاس الضمان».

أما في ما يتعلق بالصناديق الأخرى، ومنها تعاونية موظفي الدولة، فقد عمدت هذه الأخيرة، بحسب المدير العام يحيى خميس إلى وضع استراتيجية «بناءً على دراسة شاملة أجرتها وبما تسمح به موازنتها، وتقضي بالدفع نحو اعتماد أدوية الجينيريك ويفضّل أن يكون صناعة وطنية إن وجد»، إضافة إلى «تحديد كمية استهلاك الأدوية، أي عدم المبالغة بالكميات المستخدمة»، وتشديد الرقابة والتدقيق في الفواتير المقدمة. أما الإجراء الأبرز الذي ستقوم به التعاونية فهو إعداد لائحة بـ«الأدوية التي ستلغى والتي لا تدفع مثل لوائح الضمان الاجتماعي، وهي في الغالب أدوية لا تستخدم بشكلٍ دائم أو لا تتكرر كثيراً». واستناداً إلى تلك الشروط، تعيد التعاونية للمرضى بدل قيمة الفاتورة، على أساس نسبة 75%، بالاستناد إلى مؤشر الأسعار الذي تصدره وزارة الصحة. وكانت التعاونية قد درست فكرة تخفيض نسبة الاستفادة إلى 50% والإبقاء على الاستفادة من الأدوية، إلا أن هذا الطرح سرعان ما شطب «لأننا لسنا في وارد إلغاء حق مكتسب للناس».

أما صناديق الأسلاك العسكرية ووزارة الصحة فتسعى إلى توفير الأدوية لمرضاها في المراكز الصحية التابعة لها. غير أن مشكلة تلك المراكز أنها منذ بداية الأزمة تعاني شحّاً في كثير من الأدوية وانقطاع في بعضها، ما يدفع المرضى للعودة إلى الصيدليات وشرائها بأسعار تفوق أحياناً الحد الأدنى للأجور.

في ظل الحلول الترقيعية لأسعار الأدوية، وحدهم المرضى يتحمّلون الأكلاف الإضافية التي تلحق بأسعار الأدوية بحجة توافرها في السوق، فيما «كارتيلات» الأدوية الرابح الأكبر دائماً.