لم يكن ينقص المرضى سوى دفع فاتورتين في المستشفى، واحدة لتسديد «فروقات» المؤسسات الضامنة، وأخرى لتسديد ثمن المستلزمات الطبية. إذ إن معظم المستلزمات التي يحتاج إليها مرضى المستشفيات لم تعد تدخل ضمن الفاتورة العامة، بعدما فُرض على هؤلاء دفعها مسبقاً بالدولار «الفريش»، قبل القيام بأي عملٍ طبي. هكذا، تكاد المستشفيات تصبح أشبه بفنادق النجمة الواحدة التي تقدم لنزلائها السرير والفطور! إذ بات على المريض تأمين «العدّة» قبل دخول المستشفى، لا بل أصبح الحصول عليها شرطاً ضرورياً قبل حجز السرير!
معظم المستشفيات بدأت، أخيراً، تفرض على المرضى الذين يحتاجون إلى صور أشعة ملونة دفع بدل المادّة المظلّلة التي تستخدم في تلك الصور (الإبر الملونة مثالاً) بالدولار الأميركي (بين 25 و30 دولاراً)… وسلفاً وفق مبدأ «ادفع نطلب».
فبعدما باتت المستشفيات عاجزة عن شراء كثير من المستلزمات الطبية، أصبحت تطلبها من المستوردين بناء على موافقة المرضى، على ما يقول نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان، سليمان هارون. وهذا ما يجري تحديداً في طلب المواد المظلّلة، ليحرر المستشفى بعدها فاتورة مستقلة تتضمن ما دفعه المريض، على أن «يتصافى» مع شركات التأمين.
تفرض المستشفيات على المرضى تأمين ثمن المستلزمات سلفاً قبل تلقي العلاج
يشمل ذلك معظم المستلزمات الطبية التي لم تعد مدعومة. لكن في ما يتعلق بالمواد المظللة، فإن الأمر مختلف. إذ إنها المرة الأولى التي يطلب فيها من المرضى دفع بدل مستلزم طبي بالدولار الأميركي نقداً، وهو ما يؤسس لمسارٍ قد يصبح عادياً في القطاع الاستشفائي.
أما المشكلة الأقسى، فهي في ممارسات مستوردي المستلزمات الطبية الذين بدأوا مبكراً في إخراج المستلزمات والمغروسات الطبية من لوائح الدعم، علماً أن مصرف لبنان كان قد تعهّد بدفع 50 مليون دولار لدعم الأدوية، من بينها 10 ملايين دولار للمستلزمات الطبية. إلا أنه منذ أشهر «لم يلتزم المستوردون بأي شيء»، على ما يؤكد رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي، مشيراً إلى أنه «عندما كان مصرف لبنان فاتح إيديه للاستيراد، كان هؤلاء يخزّنون المستلزمات ويحتكرونها». أضف إلى ذلك أن هذه الشركات لم تلتزم بإعلام المستشفيات والمواطنين بالمواد التي تدخل ضمن الدعم، فبدأت سياسة البيع المبكر وفق سعر صرف الدولار إلى أن توقفت نهائياً عن البيع، بحجة عدم قدرتها على الاستيراد وانتهاء مخزونها. وهو ما لم يكن دقيقاً، بدليل حملات الدهم التي نفّذها وزير الصحة السابق حمد حسن، وبينت أن مئات الأصناف من المستلزمات الطبية «المفقودة» مخزّنة في مستودعات الشركات.