منذ ثلاثة أيام، تمتنع شركات استيراد الأدوية وحليب الأطفال والوكلاء عن تسليم الصيدليات طلبياتها. هذه المرة، لم يكن التوقف عن التسليم مسنوداً بحجج كالتي كانوا يسوّقونها في الفترات السابقة من تأخر المعاملات في مصرف لبنان إلى تقنين الشركات العالمية لطلباتهم، وإنما كانت «فجّة وصريحة»، على ما يقول الصيادلة الذين تبلغوا من عدد من الشركات قرار التوقف بسبب تلاعب سعر صرف الدولار الأميركي وعدم استعدادهم لتحمّل خسائر جديدة.
كان القرار واضحاً: لا دواء ما لم تصدر وزارة الصحة العامة مؤشراً جديداً يحدّد سعر دولار الأدوية بما يلائم صعوده في دولار السوق السوداء، وخصوصاً مع التغيّر الذي طال سعر الصرف في مؤشر الدواء الأخير، بحيث بلغت نسبة الزيادة 12%، وهو ما يخالف «العرف» السائد ما بين الوزارة والشركات، والذي يقضي بتعديل المؤشر كلما تغيّر سعر الصرف 5% (زيادة أو نقصاناً). وقد أثار تعنّت الشركات بلبلة في سوق الدواء، ولا سيّما بين أصحاب الصيدليات الذين لم يتسلّموا طلباتهم الجديدة في مقابل تهافت المواطنين على شراء الأدوية خوفاً من انقطاعها. وهو ما دفع بوزارة الصحة أمس إلى إصدار مؤشر جديد حدّدت بموجبه سعر صرف دولار الأدوية بـ 45 ألف ليرة، بما يقلّل الفوارق بين الدولارين.
صحيح أن قرار تعديل المؤشر قد يريح سوق الدواء، إذ ستستعيد بعض الشركات المبادرة لتسليم الصيدليات طلبياتها، بحسب ما يؤكد نقيب الصيادلة في لبنان، جو سلوم، إلا أن دون هذه العودة عائقين أساسيين: أولهما أن «الحلول القائمة اليوم جزئية وستعود إلى النقطة الصفر طالما أن الدولار ليس ثابتاً، وطالما أنه ليس هناك حلول على المدى الطويل». أما ثاني العوائق فهو اليقين لدى الكثير من الصيادلة بأن هذا القرار لن يغيّر في الأمر شيئاً، وخصوصاً أنه يتزامن في التوقيت مع الإجراءات السنوية لشركات استيراد الأدوية وحليب الأطفال والوكلاء التي تقضي بالتوقف عن التسليم في الفترة التي تسبق عطلة رأس السنة بهدف إجراء «جردة الحسابات». وبحسب الصيادلة، فصدور القرار كما عدمه، إذ إن بعض الشركات لن تسلّم سوى بعض الطلبيات بهدف «إسكات الصيادلة»، فيما استغلّت شركات أخرى الوضع، مُعلِمة زبائنها من أصحاب الصيدليات بأنها توقفت لإجراء الجردة. وهذا الأمر، بحسب بعض الصيادلة، «مربح للشركات، إذ لا تضطر إلى تسليم بضاعتها على الأسعار المنخفضة ولا سيما مع الحركة المتصاعدة للدولار».
إذاً، مع مؤشر أو من دونه، اتخذت الشركات قرارها بالتوقف عن التسليم، ما ينذر بأزمة مقبلة في فترة الأعياد، تبدو أكثر قساوة على صعيد حليب الأطفال. ويشير أحد الصيادلة إلى أن «الأزمة الأكبر في حليب الأطفال تحت عمر السنة، والذي لا يزال مدعوماً، هو أن الشركات التي اعتادت أن تملي هي علينا ما نطلبه، محدّدة نوع الحليب والكوتا التي تجدها مناسبة لنا، لن تسلّمنا شيئاً اليوم، ما يعني أنه لن يكون هناك أي نوع حليب في السوق في الفترة الآتية».