Site icon IMLebanon

هدايا المغتربين الجديدة: حليب وأدوية بدلاً من ثياب وعطور

 

كشفت عودة المغتربين الى لبنان لقضاء عطلة الصيف في ربوع الوطن والاطمئنان على ذويهم، عن ظاهرة جديدة لم تكن مألوفة من قبل، في ظل استفحال الازمتين المعيشية والصحية، وهي جلب الادوية، مع فقدانها من الصيدليات وبيعها في السوق السوداء بأسعار خيالية، فتحّولت حقائب السفر صيدلية متنقّلة مليئة بمختلف انواع الادوية الضرورية (القلب، الضغط، السكري، السعلة، الحرارة، السيلان، الصداع، كهرباء الرأس وحتى البنادول وأكياس الحليب)، بدلاً من هدايا الثياب و”البارفان” وسواهما.

 

الصيداوي محمد قبرصلي واحد من هؤلاء المغتربين، عاد للتو من قطر حيث يعمل منذ 7 سنوات، وهو يحمل حقيبة مليئة بالادوية ليمضي اجازته السنوية مع عائلته في صيدا، يقول لـ”نداء الوطن”: “حقائب السفر لم تعد تشبه السابق، لقد فرضت الازمة الاقتصادية والصحية استبدال الهدايا بنوع آخر منها، وهي أدوية”، مضيفاً “لقد حملت انواعاً عدة منها لمرضى طلبوا مني احضارها لانها مفقودة من الصيدليات”.

 

ولا يُخفي قبرصلي إستياءه مما آلت اليه الاوضاع في لبنان، ويؤكد أنّ “الازمة تتفاقم كل يوم بدلاً من المعالجة. قبل فترة زرت لبنان ولم يكن الحال سيئاً كذلك، اليوم الحل ليس باحضار الادوية من الخارج وهي لاعداد قليلة بكميات محدودة، الازمة تطوقنا في حياتنا المعيشية تحضر ظلماً وعتمة داخل منازلنا”، قبل ان يستدرك في الوقت ذاته بأنه يكون سعيداً عندما يلبي “نداء مريض بتوفير الدواء له”، خاتماً ان مجرّد دخوله احدى الصيدليات في الدوحة وسؤاله عن علبة “بنادول” كفيل برد فوري من الصيدلي: “انت من لبنان”، متسائلاً “هل أصبحنا علامة فارقة الى هذه الدرجة”؟

 

وتعاني الصيدليات منذ أشهر من فقدان الادوية، وقد بدأت اضراباً مفتوحاً بدعوة من “تجمّع اصحاب الصيدليات” في لبنان، بعدما لم تلقَ لائحة وزارة الصحة بخصوص الادوية المدعومة وغيرها قبولاً، ويتركز الاعتراض على تسعيرة الدولار على 12 الف ليرة لبنانية، واذا ارادوا الحصول عليه يلجأون الى السوق السوداء وفق سعره واليوم يلامس عشرين الف ليرة لبنانية، ما دفع بالكثير من المرضى الى الطلب من كل قريب عائد الى الوطن احضار ادويته، فيما يضطر مَن لا اقرباء مغتربين لديه الى اللجوء لوسائل التواصل الاجتماعي لنشر وصفته الطبية طلباً للمساعدة.

 

ظاهرة واحتجاج

 

الى جانب ازمة الادوية، اجبرت ازمة انقطاع الكهرباء والتي وصلت الى حدود عشرين ساعة في اليوم، وفقدان المازوت من المصافي والاسواق، اصحاب المولدات الخاصة في صيدا ومنطقتها على اطفائها لساعات طويلة بسبب نفاد المادة واعتماد برنامج تقنين قاس يقوم على تشغليها ليلاً بدون النهار، ما أثر سلباً على عمل اصحاب المهن الحرة والتجار والمحال في سوق صيدا التجاري، فانتشرت ظاهرة شراء المولدات الخاصة الصغيرة على قاعدة “مشّي الحال” في ظل ازمة طويلة الامد، ولم يعد مشهدها امام محل او على رصيف او على سطح مبنى او شرفة منزل غير مألوف وسط اصوات ضجيجها.

 

وأزمة اطفاء المولدات اعادت التحركات الى شوارع صيدا مجدداً، حيث شهد شارع رياض الصلح تحركين احتجاجيين، الاول عمد خلاله التجار واصحاب المحال الى اقفاله بالسيارات وحاويات النفايات ونقل بضائعهم الى وسط الطريق، فتحول عفوياً من ممر للسيارات الى “ستاند” وواجهة للبضائع من البسة ونظارات وغيرها ومن بينهم صاحب “اوبتيك قصب” نائب امين سر جمعية تجار صيدا وضواحيها وائل قصب الذي نقل عدّة الشغل الى وسط الطريق.

 

وقال قصب لـ”نداء الوطن”: “إن الهدف ليس قطع الطريق والتضييق على الناس وانما رفع الصوت عالياً باننا لن نعد قادرين على التحمّل اكثر، فانقطاع الكهرباء وتقنين الاشتراكات اثّرا سلباً على عملنا وهو في الاصل يعيش حالة من الركود”، متسائلاً “كيف تفقد مادة المازوت من المصافي وتوجد في السوق السوداء، وما ذنبنا كي ندفع الثمن”؟ مضيفاً “ان سوق صيدا والمحال التجارية تموت على البطيء يومياً واذا لم يتم ايجاد حل سريع فسنصعّد التحركات اكثر”.

 

ولم تمضِ ساعات قليلة حتى أقفل عشرات الشبان الغاضبين من ابناء صيدا القديمة الطريق الرئيسي في شارع رياض الصلح عند محلة البوابة، بالاطارات المشتعلة وحاويات النفايات وما تبقى من أثاث خشبي، إحتجاجاً على انقطاع التيار الكهربائي والتقنين القاسي بمولدات الاشتراكات الخاصة بعد نفاد مادة المازوت، في وقت لا تلوح في الافق اي بوادر لمعالجة سريعة وجدّية.

 

وقال سعد ابو سلطانية “إن ابناء صيدا القديمة يعانون الامرّين ولا أحد يشعر بالمعاناة اليومية، في ظل انقطاع التيار تتحوّل المنازل افراناً، وهناك مرضى يعانون وبعضهم يحتاج الى اوكسجين وفي الليل تخرج الناس من اجل تنشّق الهواء، ونرفض ان نتحوّل سلعة للتجارة في السوق السوداء في المازوت او الادوية، بالامس قبّلنا يد الصيدلي لتأمين الدواء واليوم نقبّل قدمه ولا نجد الدواء، هذه الحياة لا تطاق”.