حاول اجتماع، أمس، للمعنيين بقضية الدواء في القصر الجمهوري الضغط على وزارة الصحة للتراجع عن قرار فتح باب الاستيراد الطارئ للأدوية، وتحويل قضية فقدان الأدوية التي يتحمل أسبابها مصرف لبنان إلى «مشكل» بين وزارة الصحة والمستوردين، مطالبين الوزارة بالحفاظ على «العلاقة الطيبة» مع الشركات العالمية. إلى ذلك، وفي تخلٍّ واضح عن الاتفاق، صرف مصرف لبنان 30 مليون دولار أميركي لدعم الدواء من أصل الـ 50 مليوناً التي وعد بها
أول من أمس، أعلنت وزارة الصحة، رسمياً، فتح باب الاستيراد الطارئ للأدوية، وتحديداً المفقودة، في إطار العمل على إيجاد حلول لأزمة الدواء. من المفترض أن تكون خطوة كهذه بديهية في بلادٍ بدأت تفقد مواطنيها بسبب فقدان الأدوية أو شحّها أو، في أحسن الأحوال، توافرها في السوق السوداء بعشرة أضعاف سعرها الحقيقي، لكن، على ما يبدو، لم يكن ذلك بديهياً ولا أساسياً في اجتماع القصر الجمهوري، أمس، بين الأطراف المعنية بملف الدواء من المستوردين إلى الصيادلة وممثلي شركات الأدوية العالمية وأصحاب مصانع الأدوية الوطنية ووزارة الصحة. فقد كان الاجتماع أشبه بهجوم على قرار الوزارة، في محاولة لدفعها الى التراجع عن «الخطيئة». هكذا بدا القرار بالنسبة إلى كثيرين من المجتمعين، ما دفع وزير الصحة حمد حسن، بحسب المصادر، الى الطلب من رئيسَي الجمهورية والحكومة ميشال عون وحسان دياب ألّا يتحول اللقاء «إلى محاولة للتعمية على الواقع، وتغطية ما يجري ببقاء شركات معينة مستأثرة بالاستيراد دون غيرها»، علماً بأنه أدخلت في عهود سابقة أدوية تحت عنوان «الحالة الطارئة» من دون تقديم ملفات لها، ولا تزال موجودة إلى الآن بنواقصها. فلماذا لم تساءل في حينه؟
ورغم الحرص في بداية الاجتماع على الإشارة الى إشراك «الجميع» في إيجاد حلول للأزمة، إلا أن دعوة ممثلي الشركات العالمية بدت في سياق الضغط لـ«سحب فتيل» القرار، وكأن قضية الدواء تنحصر بـ«سوء تفاهمٍ» بين الوزارة والمستوردين! وهو ما دفع بحسن إلى السؤال عما إذا كانت دعوته إلى الاجتماع «لفرض قيود على الاستيراد»، مؤكداً سيره في القرار «ضمن معايير الجودة والأنظمة والقوانين المرعية الإجراء». ووصل الأمر إلى حد «تركيب» بيان يرفض مبدأ الاستيراد، وهو ما لم يوافق عليه حسن، مطالباً بإعادة صياغته من خلال الإشارة إلى المشكلة الأساس في قضية الدواء والمتعلقة بحبس مصرف لبنان للتمويل والانقطاع عن دعم الأدوية. غير أن هاجس قرار الاستيراد بقي هو الغالب على أجواء الاجتماع، وجرت مساعٍ لإضافة «فقرة إلى البيان تربط الاستيراد الطارئ بتأمين الأدوية المفقودة في السوق فقط»، أي باعتباره إجراءً مؤقتاً، وهو ما رفضه حسن، ليصدر البيان وفق «الأولويات» في ملف الدواء، على قاعدة التذكير أن القضية الأساس هي ضرورة التزام مصرف لبنان جدولة المستحقات السابقة للشركات المستوردة وضمناً المواد الأولية للصناعة المحلية المتراكمة منذ بداية العام الجاري، إضافة إلى انتزاع «الحق» بـ 50 مليون دولار شهرياً كان قد وعد بها حاكم المصرف المركزي، رياض سلامة لدعم أولويات الأدوية.
صرف مصرف لبنان 30 مليون دولار لدعم الأدوية من أصل الـ 50 مليوناً التي وعد بها
وفي الشق المتعلق بفتح باب الاستيراد، اشترط المجتمعون اقترانه بالأخذ في الاعتبار بما هو منتج محلياً. أما ما بقي غامضاً فهو إلحاق بند فتح باب الاستيراد الطارئ بالمحافظة على العلاقة المتينة مع شركات الأدوية العالمية «المبنية على تاريخٍ من الثقة»!
وقد فات معظم المجتمعين أمس، بمن فيهم الرئيسان، أن أساس المشكلة هو انقطاع مصرف لبنان عن دعم الأدوية، وهو ما بات واضحاً منذ السابع من أيار الماضي مع توقف الاستيراد وانقطاع مئات الأدوية. منذ ذلك الوقت، جرت نقاشات وعُقدت اجتماعات، توصل بعدها المعنيون قبل ثلاثة أسابيع إلى اتفاق شفهي مع سلامة بخفض الدعم على الأدوية إلى النصف، أي بحدود 50 مليون دولار شهرياً، ليعود سلامة في بيانات مفاجئة لنسف الاتفاق. بعدها عُقد اجتماع في القصر الجمهوري، تداول خلاله سلامة برقم 25 مليون دولار للدعم «وهو ما كان مستحيلاً قبوله إلى أن عاد وأعطى وعداً بصرف 50 مليوناً بعد إعداد تزويده بلائحة الأولويات من وزارة الصحة العامة». وبرغم إصدار لائحة الأولويات وإرسالها إلى المصرف، إلا أن الشك بترجمة الاتفاق كان هاجساً أساسياً لدى الوزارة، وهو ما تأكد في الأيام الأخيرة مع «الطلب الغريب لسلامة وإصراره وفريقه على التدخل بتحديد الأدوية التي سيدعمها»،، وهو ذهب إلى «حد القول إن ما يأتي خارج هذه اللائحة ولو كان طارئاً لن يطاله الدعم».
«الثقة مزعزعة»، هذا ما تؤكده مصادر الوزارة. وهذا لم يأت من فراغ، وإنما سنداً إلى أدلّة آخرها «عدم التزام المصرف المركزي بتزويد الوزارة بالفواتير المدعومة الموجودة لديه ليتسنى لها تتبعها». إذ اكتفى بإعطاء الوزارة «أرقاماً من دون الفواتير التي تعدّ الأساس». أكثر من ذلك، «لم يجدول المصرف المركزي المستحقات السابقة للشركات المستوردة ولا التزم بقيمة الدعم». وهو عمل على صرف 30 مليون دولار «ليس مفهوماً تحت أي عنوانٍ». فإن كانت جزءاً من الـ 50 مليوناً، يأمل هؤلاء «أن يلتزم المصرف بصرف العشرين المتبقية».
وفي سياق الضبابية التي تحيط بـ«إصدارات» المركزي، فإن ما ليس مفهوماً هو تبليغ «بعض الشركات المستوردة للصيادلة أنها لن تسلّم الأدوية»، رغم صرف المصرف المركزي القيمة التي يفترض أن تحرّر الأولويات. فهل يأتي ذلك في إطار الابتزاز لتحصيل المستحقات السابقة البالغة نحو 500 مليون دولار؟
إلى ذلك، وفي سياق فتح باب الاستيراد، أعلن حسن تعيين لجنة لاستقدام ملفات الاستيراد، على أن تكون هناك لجنة فنية طارئة تبدأ عملها مطلع الأسبوع المقبل، لتسريع دراسة الملفات بما يعفي من الانتظار الطويل لتعويض الفقدان في سوق الدواء. وفي السياق نفسه، من المفترض أن يفتح هذا الباب أمام دخول أدوية جديدة في غالبيتها «جينيريك»، يما يخفف من الكلفة. وفي إطار إبداء «حسن النية» تجاه الشركات العالمية والحفاظ على وجودها في السوق اللبناني، دعا الوزير ممثلي هذه الشركات الى التقدم بطلبات، وخصوصاً أن مصانعها أيضاً تنتج أدوية جينيريك ومختبراتها مسجلة في لبنان.