في الفترة الأخيرة، علت صرخة مرضى السكري بسبب فقدان علاجاتهم. واحد من هذه العلاجات إبرة «الأنسولين» التي أصبحت «عملة نادرة». صحيح أن وزارة الصحة استطاعت تجنّب سيناريو فقدانها بشكلٍ نهائي، معتمدة على ما في «مخزونها» من الأدوية، إلا أن المشكلة في مكانٍ آخر: في امتناع الشركة المعنية باستيراد هذا العلاج عن تقديم ملف للاستيراد رغم تحويل الأموال لها من مصرف لبنان. وليس من داعٍ هنا للتسمية، فالكل من دون استثناء يأخذ اليوم حياة الناس رهينة، مقابل الدفاع عن أرباحه.
حتى اللحظة، لم تقدّم أي من شركات استيراد الأدوية والمستلزمات الطبية ملفاتها لتعويض ما هو مفقود من السوق. ورغم الوعود التي قطعها البعض لوزارة الصحة بالبدء في تقديم الملفات ومعاودة الاستيراد، إلا أن «شيئاً لم يحدث إلى الآن»، على ما يؤكد وزير الصحة حمد حسن. لذلك، أعلن الوزير انتهاء «فترة السماح»، وأن الوزارة ستبدأ بالتتبع والتدقيق في ملفات الشركات وفواتيرها تمهيداً لتحويلها إلى القضاء، وتحديداً «تلك التي حصلت على الأموال من مصرف لبنان بناءً على الاتفاق الأخير ولم تستورد»، مؤكداً أنه لم يعد ثمة طريق آخر لـ«العلاج»، في ظل تعنّت تلك الشركات وامتناعها، عن قصد، عن توفير النواقص في السوق من الأدوية والكواشف المخبرية والمستلزمات الطبية. وفي هذا السياق، يستعيد حسن آخر النقاشات مع شركات استيراد الدواء في ما يخص المستحقات القديمة والفواتير الجديدة، لافتاً إلى أنه كان هناك طرح بأن «تقوم الشركات من خلال التحويلات التي تتقاضاها من المركزي بتسكير الحسابات القديمة مع الشركات العالمية واستيراد طلبيات جديدة، إلا أن الشركات لا تزال مترددة». ولئن كان حسن يحمّل جزءاً من المسؤولية لتلك الشركات، إلا أنه لا يعفي مصرف لبنان من المسؤولية لناحية قراراته المتأرجحة، إذ «لا يكاد يصدر إعلاناً، حتى يأتي في اليوم التالي بإعلان مضاد». والسؤال هنا: إلى كم ضحية يحتاج هؤلاء، مصرفاً ومستوردين ومن خلفهم دولة وقضاء، كي يتحركوا؟ إلى الآن، لم يحرّك أحد من هؤلاء ساكناً رغم فقدان أدوية أساسية في المستشفيات ورغم إعلان حالة الطوارئ في ما يخص أحوال معظم مرضى السرطان الذين تتراجع حالاتهم الصحية بسبب انقطاع أدويتهم، والتي باتت تفوق الـ 100 دواء.
ولإعفاء الناس تداعيات «الأذن الطرشاء» التي يديرها هؤلاء حتى اللحظة، أعلنت وزارة الصحة أنها منحت أذونات لأربع مؤسسات صيدلانية في إطار «التعويض التدريجي» للنقص الحاصل في سوق الدواء، وهي موزعة كالآتي: مؤسستان لاستيراد الأدوية من تركيا وثالثة من إسبانيا ورابعة من الهند «أدويتها مسجلة في أوروبا ومسموح تسويقها أيضاً». وشدّد حسن على أن هذه الأذونات تستوفي الشروط الفنية والصيدلانية. وأكد أنه بالسماح لشركات رديفة باستيراد الأدوية المفقودة، لا يسعى «إلى مشكل، وإنما عم دوّر على حلّ». ومتى استعادت الشركات المستوردة نشاطها «أسقطوا الحجة من يدي».
أطنان من الأدوية المدعومة لا تزال محتجزة في مستودعات الشركات
لكن، هل ينجح حسن في مهمته؟ إلى الآن، ليس بمقدور أحد تخمين النتائج، إذ إن الطريق غير سهلة، بدليل تصريحات سياسيين انتقدوا فيها خطوة وزارة الصحة التي «تفتح الباب على الفوضى»، لناحية دخول أدوية «غير مأمونة وليست ضمن المواصفات». فيما يؤكد حسن أن هذه الحملة «ليست مبنية على أسس منطقية لناحية أنه لا يمكن إدخال أدوية إلى السوق خارج المواصفات المعترف بها وما ينص عليه قرار الاستيراد الطارئ». ولذلك، ثمة 3 احتمالات، برأي حسن، لهذه الحملة: «إما أن مطلقي هذه التصريحات لا يدركون خطورة الموقف وفقدان الأدوية، وهذه كارثة، وإما أنهم يتعرضون للضغط من أصحاب بعض الشركات المستوردة والمحتكرة للسوق، وإما لارتباط معظمهم بهذه الكارتيلات»!
إلى ذلك، جال حسن أمس على مستودعات أدوية وحليب أطفال في أكثر من منطقة للتحقق من حركة بيع الأدوية وتوزيعها في ضوء الفواتير التي تسلّمتها وزارة الصحة من المصرف المركزي. وتبيّن وجود أطنان من الأدوية المخزنة في المستودعات رغم أنها مفقودة في السوق وضرورية لشتى الأمراض ولا سيما الأمراض المزمنة، فضلاً عن كميات كبيرة من المضادات الحيوية وحليب الأطفال. ودهم حسن مستودعاً للدواء لثلاث شركات في منطقة جدرا حيث عُثر على كمية كبيرة من الأدوية المفقودة، من بينها أدوية سكري وكلى وأنسولين وأدوية الضغط والتجلطات ومضادات حيوية وأدوية الصرع والحروق ومسكنات الآلام وحماية المعدة. وأعلن حسن أن «أطنان الأدوية الموجودة تقسم الى ثلاثة: قسم من أدوية مدعومة يتم صرفها تباعاً، وقسم ثان من أدوية مجمّد صرفها في انتظار الحصول على موافقة بتغطيتها من قبل المركزي بناءً على موافقة وزارة الصحة، وقسم ثالث وهو الأهم ويتضمن كميات كبيرة من الأدوية المدعومة والمغطاة بحوالات من المركزي ولا تصرف في السوق». كذلك دهم حسن مستودعاً للدواء في العاقبية (جنوب لبنان)، حيث كشف على وجود أدوية لداء الصرع والغدة وغير ذلك من أدوية الأمراض المزمنة، فضلاً عن عدد كبير من أدوية OTC وعلب حليب الأطفال. وبعد اتصال مع المدعي العام المالي في جنوب لبنان القاضي رهيف رمضان، تقرر إقفال المستودع بالشمع الأحمر، فيما أصدر حسن قراراً استثنائياً ببيع الأدوية الموجودة للعموم والصيدليات ولا سيما حليب الأطفال والأدوية الضرورية.