إذا كانت «الإسكوا» قد حذّرت خلال دراسة امس الاول تحت عنوان «هل من خطرٍ على الأمن الغذائي في لبنان؟»، من انّه سيتعذّر على نصف سكان لبنان الوصول إلى احتياجاتهم الغذائية الأساسية بحلول نهاية العام الحالي، فهذه الدراسة لم تأخذ بالاعتبار حتمية رفع الدعم عن السلع الاساسية المستوردة (الادوية، المحروقات، القمح) والتي من شأنها ان تفاقم حجم «المصيبة» أضعافاً، وتؤدي الى مزيد من الفقر والجوع قبل حتّى نهاية 2020.
لم يكن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، خلال تصريحاته الاعلامية في الايام الماضية، حاسماً في شأن وقف الدعم عن استيراد السلع الاساسية ( قمح، دواء، محروقات)، حيث اعلن «أنّه لا يستطيع القول إلى متى يمكن للبنك المركزي أن يواصل دعم الواردات الضرورية»، علماً انّه سبق وحدّدت مصادر من داخل البنك المركزي مهلة 3 اشهر كحدٍ اقصى لتوقف المركزي عن الدعم، وهي المدّة المنطقية، في حال كان احتياطي مصرف لبنان من العملات الاجنبية قد بلغ 19,5 مليار دولار منها 17,5 مليار دولار احتياطيات المصارف الإلزامية التي لا يمكن المسّ بها. وبالتالي ما زال هناك حوالى ملياري دولار يمكن الاستمرار باستنزافها على دعم استيراد السلع الاساسية، وهي وفقاً لعملية حسابية حول حجم واردات تلك السلع بمعدل سنوي، فإنّ مصرف لبنان قد يكون قادراً على مواصلة الدعم لاربعة اشهر كحدّ اقصى.
لكنّ ابلاغ المواطن بشكل غير رسمي وعبر الاعلام عن توقف الدعم قريباً، من دون ان يحسم مصرف لبنان ذلك، وفي ظلّ غياب تام للمسؤولين الحكوميين المعنيّين في ايجاد بدائل من الدعم، أدّى الى أن يحسم المواطن الامر على طريقته، وتهافته على تخزين الدواء، الطحين، المازوت، وحتّى انّ بعضهم عمد الى تخزين البنزين، على الرغم من خطورة هذا الامر من ناحية السلامة العامة.
ولم يكن يكفي المواطن اللبناني العبء الذي يتحمّله نتيجة ارتفاع أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية، ليعي اليوم انّ قدرته الشرائية التي تراجعت 50 في المئة ستتآكل أيضاً بنسبة 40 في المئة اضافية بعد 3 الى 4 اشهر، عندما يتمّ رفع الدعم عن المواد الاساسية، حيث انّ اسعار المحروقات والدواء والقمح سيتمّ احتسابها على سعر الصرف الدولار في السوق السوداء، على غرار السلع الاخرى المستوردة، والتي يختبر المواطن كيف ترتفع اسعارها يوماً بعد يوم.
ومَن توصّل خلال عملياته الحسابية الى انّ سعر صفيحة البنزين سيبلغ 65 الف ليرة، وربطة الخبز 6000 ليرة، وعلبة «البنادول» 22 الف ليرة، وحقنة الانسولين لمرضى السكري 450 الف ليرة، تهافت الى تخزين ما يحتاجه من ادوية، بالإضافة الى المازوت والطحين لينأى بنفسه، ولو لمدة قصيرة، عن الاسعار المستقبلية.
فقدان الأدوية من السوق
وقد تهافت المواطنون بشكل لافت على شراء الادوية، خصوصاً أدوية الامراض المزمنة والمستعصية (الضغط، السكري، الربو…) لأنّ فقدانها او تعذّر شرائها بسبب ارتفاع اسعارها بشكل جنوني في المستقبل القريب، قد يشكّل خطراً على أمنهم الصحي، ما أدّى الى امتناع الصيدليات عن بيع اكثر من عبوة واحدة لكلّ مريض، في حين عمد البعض الآخر الى تخزين تلك الادوية وعدم بيعها حالياً بحجة انّها مقطوعة من السوق، وذلك بهدف بيعها بأسعار مرتفعة بعد رفع الدعم.
وقد أكّد أحد الصيادلة لـ«الجمهورية»، انّ هناك تهافتاً على شراء أدوية الامراض المزمنة، بالاضافة الى علاجات الوقاية من فيروس «كورونا» مثل الـzinc و الـ vitamine c ، مشدّداً على انّ المعروض من قِبل الشركات المستوردة للادوية أقلّ بكثير من حجم الطلب، «ولهذا السبب لا تستطيع الصيدليات تلبية احتياجات المستهلك، لأنّها لا تحصل على الكميات التي تطلبها من الشركات المستوردة».
دعم المازوت قد يستمرّ
في هذا الاطار، أوضح الخبير في الشؤون النفطية جورج براكس لـ«الجمهورية»، انّه بات من المؤكّد انّ مصرف لبنان لم يعد قادرًا على الاستمرار في دعم استيراد المحروقات والقمح والدواء، لاكثر من شهر ونصف الشهر او شهرين بالحدّ الاقصى، «وبالتالي نحن نطالب الدولة منذ فترة بالتحضير مسبقاً لهذا الامر، عبر رفع الدعم بشكل تدريجي وليس بين ليلة وضحاها، وذلك عبر خفض الدعم من 90 في المئة الى 80 و70 فـ60 في المئة، من اجل تمهيد الارضية للمستهلك».
واكّد انّ التوجّه لتخزين المحروقات قد بدأ من قبل، منذ تفاقم أزمة شحّ المازوت، أي قبل الاعلان عن رفع الدعم. اما البنزين، فقد بدأ بعض تجار المحروقات ومحطات البنزين بتخزينه، في حين عمد المواطنون الى تخزين المازوت قدر الامكان قبل الشتاء، فيما يتعذّر عليهم تخزين البنزين لأنّه يحتاج الى خزانات تراعي شروط السلامة العامة. واشار الى انّ امكانية التخزين محدودة، لأنّ المعروض في السوق من قِبل المستوردين ومن قِبل المنشآت النفطية يغطي حاجة الاستهلاك اليومي للمحروقات. وكشف براكس، انّ «هناك حديثاً عن امكانية إبقاء الدعم على المازوت فقط، لأنّه مادة حيوية للتدفئة وحاجة اساسية للمصانع».