يُضخّم أصحاب الشركات المستوردة للأدوية والصيدليات منذ فترة من حجم تهريب الدواء إلى لبنان والذي يُشكل منافسة، إلّا أن كلامهم يحتوي على جانب خطير لا سيّما أنّ هذا الدواء لا يخضع للرقابة التي يخضع لها الدواء الشرعي.
ويبقى السؤال في ظلّ تفاقم أزمة فقدان الأدوية لا سيّما المزمنة منها والإرتفاع الجنوني بأسعار حتى المصنّع محلياً، هل من خيار أمام المواطن الذي فقد قدرته الشرائية وبات عاجزاً عن تأمين حبة الدواء؟
يرى رئيس لجنة الصحة النيابية النائب بلال عبدالله، أنّه «بعد رفع الدعم عن الأدوية (المزمنة والعادية) أصبحت أسعارها مرتفعة «، ويُشير إلى أنّه «ليس هناك توازن بين سعر الأدوية وبين مداخيل اللبنانيين إضافة إلى غياب الإعتمادات والدعم». ويؤكّد لـ «نداء الوطن»، أنّ «الأزمة متعدّدة الجوانب ولكن في نهاية الأمر المواطن يُعاني ونحن نحاول مع وزير الصحة الدكتور فراس الأبيض، قدرالإمكان معالجة هذا الموضوع، ولكن للأسف الإمكانات المتوافرة غير كافية لتكون المعالجات جذرية لهذا الأمر».
ويُضيف: «كنا سابقاً ندعم الأدوية بحدود الـ 120 مليون دولار، أما الآن أصبح الدعم 35 مليون دولار بين أدوية مزمنة ومستلزمات طبية».
شحّ يفرض نفسه
وهنا يلفت عبدالله إلى أنّ «هذا الشح في الأموال بالتأكيد سيفرض نفسه، وهذا الموضوع قابل للإزدياد مع الأسف في ظل إرتفاع سعر الصرف»، ويؤكّد أنه «إذا لم يكن هناك معالجات سياسية فورية وخطة تعاف إقتصادي وبداية إصلاحات جذرية في الإقتصاد والمالية سيخسر اللبناني أكثر وأكثر ما تبقى من أمنه الصحي والإجتماعي».
أما بالنسبة إلى موضوع تهريب الأدوية، يقول: «التهريب مفتوح من سوريا وغيرها فالسوق بحاجة، لكن ما يهمنا المحافظة على صحة اللبناني وأن لا يكون الدواء المهرّب غير مطابق للمواصفات، مع التأكيد أنّني ضد دخول أي دواء مهرّب إلى السوق اللبناني من دون نقاش». ويُشير عبدالله إلى «تأثير الدواء المهرّب على صحة المواطن لأنّه غير خاضع لأي رقابة»، ويؤكّد «خطورة الأمر».
وعن مصادر التمويل، يقول عبدالله: «نحاول وبالتعاون مع وزير الصحة ونلجأ مرات كثيرة للرئيس نجيب ميقاتي إلى تأمين مصادر تمويل إضافية، وفي ذات الوقت نحاول ضبط موضوع توزيع الدواء للتخفيف من موضوعي التهريب أو التسرب».
ويلفت إلى أنه «هناك أدوية إضطر وزيرالصحة فراس الأبيض أن يرفع الدعم عنها ليحافظ على دعم أدوية مرضى السرطان والمستعصية»، ويُفيد بأنّ «سعر الدواء سيتغير كل يوم حسب سعر صرف الدولار».
إنهيار الجهات الضامنة
ورداً على ما يُشاع عن تحكم مستوردي الأدوية بالسوق ومنع وصول الدواء إلى المواطن يشرح نقيب مستوردي الأدوية في لبنان كريم جبارة ما يحصل، ويقول لـ «نداء الوطن»: «هناك قسم من الأدوية المستوردة مدعوم وهي أدوية الأمراض المستعصية وتم إختيارها من قبل وزارة الصحة العامة، وقسم آخر غير مدعوم، فالأدوية المدعومة اليوم يُمكن إعتبار أنّ أسعارها زهيدة مقارنة عما كانت عليه في السابق، وفي ما يتعلق بالأدوية المستوردة غير المدعومة فهي مرتبطة بسعر صرف الدولار في السوق الموازية، ولكن أيضاً هي يتم تسعيرها من قبل وزارة الصحة إلّا أنّ إرتفاع سعرها مرتبط بشكل مباشر بإرتفاع سعر الصرف، فنحن نستورده من الخارج بالعملة الأجنبيّة. ويشدّد على أنّ «ما يحصل اليوم هو نتيجة إنهيار الليرة اللبنانية»، ويرى أنّ «الحلّ يجب أن يكون ضمن سلة متكاملة وينسحب على كافة جوانب الحياة المعيشية في لبنان، فالمدخول الشهري للموظف اللبناني لم يعد يكفيه لدفع فاتورة الكهرباء، لذا يجب إتخاذ تدابير سياسية وإقتصادية سريعة والعمل على لجم إنهيار الليرة».
ويشرح أساس المشكلة التي تكمن في «القدرة على تأمين إحتياجات المرضى اللبنانيين من أدوية الأمراض المستعصية المدعومة، فجميعنا يعلم أن الأموال المتوفرة للدعم غير كافية لتغطية كافة المرضى، لذا تلجأ الوزارة من وقت إلى آخر إلى ترشيد الدواء المدعوم عبر دعم الدواء الأرخص ووقف دعم الدواء الأغلى».
ويلفت إلى المعضلة الأساسية في ما يعانيه القطاع الصحي هي «إنهيار الجهات الضامنة، فليس هناك بلد في العالم يحترم نفسه يدفع فيه المواطن ثمن صحته ، ففي لبنان عدا عن إنهيار الليرة وغلاء الكلفة والمعيشة هناك إنهيار الجهات الضامنة بكاملها والتي لم تعد تغطي التكلفة الصحية للمواطن، لذا من الضروري إعادة تأهيل ورسملة الجهات الضامنة لتعود وتتحمل الجزء الأكبر من الفاتورة الصحية».
إلغاء دعم المحلي
بدوره يلفت نقيب الصيادلة جو سلوم إلى أنّ «تسعير الدواء مناط بالمؤشر الصادر عن وزارة الصحة، والصيدلي ليس له أي علاقة فيه، مؤشر الدواء يصدر طبقاً لسعر صرف الدولار في السوق الموازية، والإرتفاع الذي حصل مؤخرّاً في أسعار الأدويّة المصنعة محلياً هو نتيجة رفع الدعم عنها، فلم يعد هناك أموالاً للدعم لذا نحن مضطرون اليوم لرفع الدعم عن الأدوية المصنعة محلياً من أجل ضمان توفرها في الأسواق، فأكثرية الأدوية مفقودة». ويُبدي أسفه خلال حديثٍ لـ»نداء الوطن»، لأن «المواطن أصبح عاجزاً ولم يعد بإمكانه تحمل المزيد من الأعباء والإرتفاع في الأسعار».
حلّ في مكان آخر
ويرى أنّ «الحل للمشكلة يجب أن يكون حلاً جذرياً يبدأ بإنتخاب رئيس للجمهورية وإعادة إنتظام الحياة السياسية والدستورية، لتذهب الأمور بإتجاه التعافي ووضع الخطط التنفيذية وبخاصة الصحية، لتأمين الحد الأدنى من الإستقرار المالي والإقتصادي وضبط سعر صرف الدولار، وإلا إذا بقيت الأمور على ما هي عليه، فإن المصانع الدوائية وشركات الأدوية ستكون عاجزة عن الإستمرار وتسليم الأدوية إلى الصيدليات، مما سيتسبب بإقفال العديد من الصيدليات، وسنكون أمام كارثة صحية ودوائية».
ورغم الظروف الصعبة وضيق الموارد والإمكانيات، يؤكد أنّ «نقابة صيادلة لبنان لا توفر جهداً في مكافحة كل أشكال المخالفات والتهريب والتلاعب بصحة المواطن».
6 شركات أساسية
ويكشف الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، أن «هناك أكثر من 5000 دواء مسجل لدى وزارة الصحة اللبنانية. وقال: «نعلم أنه لا يمكننا أن ندخل أي دواء الى لبنان إذا لم يكن يستوفي الشروط ومسجل بالوزارة».
وإذ ذكر أنّ «عمليات إستيراد الدواء قبل الأزمة كانت تصل قيمتها إلى حوالى مليار و200 مليون دولار، أشار شمس الدين الى أن «حجم الإستيراد انخفض إلى نحو 800 مليون دولار نتيجة الازمة وارتفاع أسعار الدواء». وأوضح عبر «نداء الوطن»، أن «أكثر من 49 شركة تتولى إستيراد الدواء لكن فعلياً هناك 6 شركات أساسية تتولى استيراد الأدوية وتسيطر على نحو 60% من السوق وتحدّد الأسعار علماً أن لا وكالات حصرية لاستيراد الدواء في لبنان».
ولفت إلى أنّ «أسعار الأدوية إرتفعت نتيجة إنهيار الليرة اللبنانية إلّا أن قيمتها في لبنان أغلى بكثير من الأسواق العالمية».
في لبنان أغلى
«على سبيل المثال، دواء مصنع بفرنسا ومستورد ثمنه في فرنسا 10 يورو ، هنا يتراوح سعره ما بين 20 و25 يورو وبالتالي فإن إرتفاع السعر كبير جداً مما يشير بوضوح الى حجم الارباح التي تجنيها الشركات المستوردة، وهذا يسمى إحتكار مقنّع فهو غير موجود قانوناً الّا أنه حاصل بالواقع ، وهو ما يرفع من الكلفة على المواطنين ويمكّن التجار من تحقيق أرباح كبيرة»، وفق ما يُشير شمس الدين.
ويقول: «في المقابل لدينا 11 مصنعاً للدواء في لبنان، والحكومة اللبنانية كانت تدعم إستيراد الدواء ولم تكن تدعم المصانع اللبنانية بدليل أن الصناعة اللبنانية أو الصناعة الدوائية في لبنان متخلفة ومتراجعة كثيراً مقارنة بالدول الأخرى لا سيما سوريا والاردن ومصر، لذلك هناك أحجية يجب حلها فلماذا لبنان يستورد الدواء من الاردن في حين لدينا قدرات وكفاءات عالية من خلال دعم هذه الصناعة الدوائية، وهو قادر على تأمين حاجة السوق 60% حتى أنه قادر على فتح أسواق للتصدير»، ويعتبر أنّ «السياسات الحكومية كانت خاطئة بدعم إستيراد الدواء الذي إرتفع سعره نتيجة الإحتكار».
وفي موضوع التهريب يرى أنّه «ليس بالحجم الذي يحكى عنه، لأنه يقتصر على أشخاص يذهبون إلى سوريا ومصر وتركيا ويتعاملون مع بعض الصيدليات، لكن هذه المسألة تشكّل منافسة ولو صغيرة لهؤلاء المحتكرين التجار والمستوردين لذلك يهولون بأنها بملايين الدولارات، هي ليست بالقصة العظيمة أما التجار فيخافون من تفاقم المسألة وذهاب أرباحهم مع إزدياد هذه الظاهرة».