تخزين بطاقات الدفع مسبقاً تمهيداً لبيعها بالسعر غير المدعوم!
لم يهزّ غلاء الادوية الناس، كما لم يهزّهم غلاء الغاز والمحروقات، وكأنهم ينتظرون زمن العودة للوراء، والغاء كل مناسك الرفاهية من حياتهم، والاكتفاء بالزيت والزيتون لا اكثر.
كان هناك من يراهن على صحوة شعبية محتملة، ما إن تهزّ الحكومة عرش صحتهم، غير أن تلك الصحوة بقيت رهينة المناخ الانتخابي الذي بدأت ملامحه تتكشف في المنطقة وإن ما زال خجولاً، حيث بدأ أقطاب الثنائي بعقد سلسلة لقاءات وحوارات في القرى، في حين لم تتضح حتى الساعة ملامح الحركة الاعتراضية والمعارضة، وإن بدأت تخرج للعلن لقاءات خجولة هنا وهناك، ولكنها لا ترتقي الى مصاف المنافسة وتهديد عرش الثنائي في قرى النبطية وحتى الجنوب. فالمعارضة حتى الساعة ما زالت ضبابية ولم تستطع كسب ود الناس أقله في هذه الظروف العصيبة، ولم تلعب على وتر الوضع المعيشي وتقديم الخدمات المستقطبة للأصوات، على عكس الثنائي الذي شدّ الهمة وبدأ بحملة المعونات للاهالي كنوع من كسب الناس وإن كان هناك غير رضى بالكامل وحالة تململ في صفوفهم جراء التعامل السلبي للاحزاب وتركهم رهينة للغلاء من دون فعل شيء، وهذا حتماً ستكون له انعكاساته في صناديق الاقتراع وترجح المصادر ان تتمثّل بالمقاطعة.
اذاً، لم يهتز الشارع لرفع الدعم عن الدواء، رغم ان المواطن استنكف عن شرائه نتيجة عدم قدرته على دفع ثمنه، فالاب عاجز عن دفع ثمن علبة حليب اطفال لابنه الرضيع، والإبن عن شراء الادوية المزمنة لأمه المريضة، والحبل على جرار الموت القسري التي مدته الحكومة على رقاب الناس، ممن إعتادوا الذل وفضلوا الموت على الصراخ. حتى الانتخابات المقبلة لن تغير شيئاً في تفكيرهم.
كان يمكن ان يكون مشهد الجنوب مختلفاً لو شهد نهضة صناعية واقتصادية وزراعية رائدة، غير أنه بقي ينتظر الانماء المتوازن من دون جدوى. حتى البلديات لم تتمكن من صناعة الانماء، فالقرى اليوم ترزح بمعظمها تحت وطأة تقنين مياه قاس، والناس تشتري النقلة بـ200الف ليرة كل اسبوع، وسط سؤال مشروع اين تذهب مياه الآبار المنتشرة في القرى، ومن يستفيد منها، طالما الأهالي يشترونها؟
الهاتف دخل ايضاً على خط رفع الاسعار، فمعظم محال بيع الدولارات رفعت سعرها من دون قرار رسمي، ما ينذر بكارثة الاتصالات عما قريب، اذ لا يخفي العاملون في هذا القطاع تخوفهم من رفع الدعم بشكل مفاجئ كما حصل مع الدواء، ما يضع المواطن على كف هجرة الانترنت والعودة للعصر الحجري، اذ ستصبح حينها الفاتورة وفق سعر الصرف الموازي، والـ10 دولارات تصبح بـ230 الف ليرة، ما يعني أن القطاع قد يشهد في القريب العاجل طوابير لشراء البطاقات المسبقة الدفع، أو اللجوء لتخزين الدولارات، غير ان هذا الاحتمال بات صعباً نوعاً ما نتيجة فقدان الدولارات من المحلات، أو بتعبير أدق، بدأ أصحاب تلك المحال تخزينها تمهيداً لبيعها بالسعر غير المدعوم، وهذا يرتب على المواطن اعباء اضافية قد تتعطل على اثرها مصالح الناس، فمعظم المهن تعتمد على الانترنت، حتى المدارس تعتمد عليه في التعليم عن بعد، ويبدو انه سيعود عما قريب مع تفشي “كورونا” بشكل كبير داخلها ولجوء بعضها الى اقفال صفوف بعد تفشي الاصابات بين الطلاب، ما يستدعي حتماً وضع خطة طوارئ صحية ودراسية طارئة، اذ يبدو سيكون الأمر شائكاً وصعباً على الطلاب، ممن سيعجزون عن توفير الانترنت الـ3g بعد ارتفاع سعره، الذي بات قريباً، وتوفير الكهرباء بعدما لجأ كثر لقطع الاشتراك، اضافة الى توفير الادوية لعلاج “كورونا” والرشح اللذين يتفشيان بشكل كبير وخطير جداً، اذ تشير المعلومات الى ان نسبة اصابة الطلاب بالرشح و”كورونا” كبيرة جداً ما يستدعي تدخلاً سريعاً، خاصة وان العوارض قاسية لدى الاطفال.
وتحمل المدارس المسؤولية للأهالي الذين يُرسلون أولادهم للمدارس وهم في حالة رشح قاسية ما يهدد سلامة الطلاب جميعاً وينذر بكارثة صحية خاصة وأن لا أحد عنده القدرة على شراء ادوية الرشح ما يعني تدحرج الوضع الصحي نحو الأسوأ.
كل ذلك ولم يهتز الشارع، لم يخرج الناس بثورة رافضة للظلم اللاحق بهم، بقيت اعتراضاتهم داخل الصيدلية لا أكثر، ما يعطي للزعماء فرصة اضافية لرفع ما تبقّى من دعم، طالما الشعب “تعوّد وساكت”.