Site icon IMLebanon

المواطن التزم وعلى الدولة أن تختار!

 

 

1370 دواء “باب أوّل” وأمصال لبنانية 100%

 

كما يُراهن الغريق على الإمساك بقشة والسباحة نحو شاطئ الأمان، هكذا نحن في لبنان، على اختلاف انتماءاتنا وقطاعاتنا ومواقعنا، فالحمل الذي نرزح تحته أكبر بكثير من قدرتنا على الإحتمال لكننا سنحتمل. وماذا بعد؟ سنظلّ نسأل، يمنة ويسرة، عن إمكانات الصمود والبقاء. فماذا عن قطاع صناعة الأدوية في لبنان؟ هل بمقدورها سدّ الفجوة في حال سُدّت المعابر أمام “كورونا” وما عادت الأدوية والأمصال قادرة هي أيضا على العبور؟

رئيسة نقابة مصانع الأدوية في لبنان الدكتورة كارول أبي كرم تضع على هاتفها صورة القديس شربل وتُكرر في كلامِها، كما الكثيرون، عبارة: “يا ربّ”. النقيبة التي “طلع على لسانها الشعر” وهي تطالب المصارف اللبنانية والبنك المركزي والدولة “بأمها وأبيها” العناية بقطاع صناعة الدواء في لبنان تصرّ على المتابعة، في الأيام الصعبة، ولو باللحم الحيّ. فماذا في تفاصيل القطاع؟

 

هل تعلمون أيها اللبنانيون أن معامل لبنان تُصنّع، منذ خمسينات القرن الماضي، كلّ الأمصال التي تُستخدم هنا؟ معلومة “تُثلج” القلب. ثمة اكتفاء لبناني في مكان ما لكن ماذا عن القدرة على الإستمرار اليوم؟ وماذا عن الأدوية التي كُتب على ظهرها “صنع في لبنان”؟

 

نتذكر في هذه اللحظات الشهيد بيار الجميل الذي رفع شعار “بتحب لبنان حبّ صناعتو”. لكن ماذا يمكننا أن نفعل بالحبّ؟ أين نصرفه إذا وُصف لنا دواء ما، أو اعتدنا على تناول دواء لمرض مزمن، ولم نجده في الصيدليات؟ تجيب نقيبة مصانع الأدوية في لبنان: نحن نُصنّع 1370 دواءً في أحد عشر معملاً لبنانياً من أصل 5000 دواء تقريباً متداولة في لبنان ومتوافرة في الصيدليات. ثمة أدوية لبنانية كثيرة للأمراض المزمنة من ربو وسكري وضغط والتهابات وتوجد أدوية سرطانية أيضاً. نحن نلبي حاجات السوق من الأمصال “صناعة لبنانية” مئة في المئة. والتحدي اليوم كبير.

 

التحدي كبير، قبل “كورونا” بكثير، ومع انتشار هذا الوباء عالمياً أصبح التحدي هائلاً. فهل علينا الآن أن نبكي على الأطلال ونقول: ليت دولتنا فعلت وأنجزت وأقرّت ودعمت؟ قطاع صناعة الدواء في لبنان كان يمكن أن يُشكّل فارقاً إيجابياً أمس لكن ما كان كان، ولنفكر في اليوم. ثمة مخزون من المواد الأولية في المصانع تكفي لأشهر لكن المطلوب الآن وبإلحاح أن يُميّز المصرف المركزي بين فواتير مصانع الأدوية الوطنية وفواتير المستوردين للدواء الأجنبي، وعلى المصارف أن تمنح أصحاب تلك المصانع أموالها كي تتمكن من دفع ثمن المواد الأولية المطلوبة في تصنيع الدواء المحلي. فهل سيسمع المصرف المركزي؟ سؤالٌ يُضاف إلى عشرات الأسئلة التي لا تجد لها جواباً وبرسم من يتحكم بها، أي أصحاب المصارف، ومن أعطوا كامل الثقة فأخلوا بها.

 

لبناني؟ إسأل طبيبك منذ اليوم حين يصف لك دواء: هل هذا الدواء لبناني؟ واطرح عليه السؤال عما إذا كان هناك دواء وطني مماثل أو اطرح نفس السؤال على الصيدلي. وفي هذا الإطار تقول النقيبة أبي كرم: أن على الصيدلي مسؤولية وندعوه أن يتدخل ويصرف الدواء اللبناني إذا كان يحب لبنان، وطالبنا الطبيب بألا يكتب في الوصفة الحرفين الأجنبيين: NS ويقصد بهما: غير قابل للإستبدال. ثمة حلقة يفترض من الآن وصاعداً الحرص عليها بين المواطن والطبيب والصيدلي من أجل وصف الدواء اللبناني الذي ثبت تميزه من جهة الأمان والجودة والسعر.

 

الدواء اللبناني “دوا”. والسؤال الذي يلحّ، خصوصاً في الأزمات، كم نستورد من حاجاتنا من الدواء وكم تستطيع هذه الصناعة الدوائية المحلية تشكيل شبكة أمان صحية؟

 

إذا حسبنا أن 1370 دواء يُصنّع وطنياً من أصل نحو 5000 دواء يتمّ تداوله في لبنان، نكون نستورد من الخارج نحو 3630 صنفاً دوائياً، وفي دراسة أجريت تبين أن معدل سعر الدواء الوطني هو 4,4 دولارات أميركية، في حين أن متوسط سعر الدواء المماثل الأجنبي هو 7,4 دولارات. وهذا معناه أن سعر الأدوية “البراند” المماثلة أعلى بنسبة خمسين في المئة. صحيح أن الأدوية اللبنانية لا تشكل حالياً سوى نسبة متواضعة من حجم السوق، أما النسبة الأعلى فهي للأدوية الأجنبية، لكن لو اهتمت دولتنا بهذا القطاع لكان حجمه أكبر. أحد عشر معملاً لتصنيع الأدوية الوطنية وهناك واحد إضافي انضم الى معملي الأمصال في لبنان. وكم جميل أن نعرف أن هذه المعامل استطاعت، بتصميم أصحابها، تشكيل الفرق. النقيبة كارول أبي كرم تتكلم عن إمكانية قطاع معامل الأدوية الوطنية لو “أخذ حقه” توفير نحو 250 مليون دولار من حجم فاتورة استيراد الأدوية وإذا جرى تسويق الدواء اللبناني يمكن تصدير أدوية تزيد عن مئة مليون دولار، وهذا معناه أن هذا القطاع قادر على توفير العملة الصعبة التي يبحث عنها لبنان “بالسراج والفتيلة”.

 

هذا القطاع يحتاج الى الإفراج عن أموال أصحابه كي يتمكن من متابعة حضوره وفعاليته محلياً وفي بعض العالم الخارجي. هذا القطاع لا يريد اليوم إلا أن تُوفّر له القدرة على سداد فواتيره عبر إفراج المصرف المركزي عن “دولارات” أصحابه وعملاتهم الصعبة. نشير هنا الى أن المصرف المركزي قرر تغطية 85 في المئة من هذه المصاريف لكن هناك نسبة 15 في المئة الباقية فكيف يشتري أصحاب المعامل المواد الأولية المطلوبة في الوقت المناسب؟ يحتاج هذا القطاع بحسب النقيبة الى “خط عسكري” في تعامله مع المصرف المركزي لا الى أموال بالتنقيط!

 

يُصار الى تصدير الأدوية الوطنية الى دول عربية كثيرة والى الخليج وبدأنا، بحسب كارول أبي كرم، التصدير الى أوروبا وتحديداً الى قبرص ومالطا. ومشكلة هذا القطاع هي عدم المعاملة بالمثل، بمعنى أننا نستورد من دول هي حريصة على صناعاتها الدوائية ولا تستورد من لبنان، وتضع عوائق لحماية صناعاتها وهذا حقها. في كل حال، من يتابع هذا الملف يدرك حجم اللاتوازن بين الإستيراد والتصدير. ويهم هنا أن نتذكر أن قيمة الفاتورة الدوائية السنوية في لبنان تصل الى مليار و700 مليون دولار.

 

لبنان يحتاج الى إستيراد الأدوية ليلبي إحتياجاته منها، لكن إنتاجه كان ليُغطي أكثر وينتعش أكثر لو شهد التفاتة حقيقية، مِن مَن يفترض بهم الإلتفات الى البلاد والعباد.

 

معامل الأدوية في لبنان تعمل حالياً. الإداريون من بيوتهم والتقنيون في المعامل. وقد اتخذت كل تدابير الحيطة والحذر في شكلٍ صارم، والتعقيم يجري دورياً والتكرير الهوائي مستمر ويُصار الى فحص الحرارة وتعقيم الفانات التي تنقل الأدوية.

 

وماذا بعد؟

 

مصانع الأدوية الوطنية أعدّت برنامجاً حيوياً يُمكّنها ان تتماشى مع الوباء الضارب بجنون في جنبات هذا العالم. وتملك هذه المصانع مخزون مواد أولية يكفي قليلاً بعد.

 

قد يطول أمد فيروس “كوفيد19” وقد يقصر، لكن الغد لا بُدّ أن يعود ويطلّ وحينها يفترض بالدولة اللبنانية أن تكون قد استفاقت، فإذا تحقق هذا واستيقظت على ما لها وما عليها سيكتب لهذا القطاع اللبناني، الذي نعوزه (وقد نعوزه بعد) في المحنة، عمراً جديداً.

 

قطاع صناعة الدواء الوطني أعلن “نحن التزمنا الصحة وأنت عليك أن تختار الدواء اللبناني”. فلنحسم الخيار.

 

هذه هي معامل الدواء الوطنية…

 

11 معملاً لصناعة الدواء في لبنان هي: شركة مختبرات ألفا ش.م.ل -شركة الغوريتم للأدوية-أروان شلهوب فارماسوتيكالس -شفا ش.م. ل. -مختبرات مدي فار- BPI للصناعات الدوائية ش. م. ل. -مصنع بنتا للأدوية ش. م. ل. -شركة صناعة الأدوية للشرق الأوسط- مفيكو. شركة فارمادكس ش.م. ل.-فارمالاين ش.م.ل. -شركة الأمصال اللبنانية ش.م.م.