بعد الزيارتين المهمتين اللتين قام بهما إلى السعودية رئيس العراق الدكتور فؤاد معصوم مصحوباً بوزراء يمثِّلون الطائفتين الشيعية والسُنية ويمثِّلون أيضاً العرب والكرد، ثم رئيس برلمان العراق الدكتور سليم الجبوري مصحوباً بنواب يمثِّلون أيضاً الطائفتين، وتثمر الزيارتان أجواء طيِّبة في العلاقات وإتفاقاً على إفتتاح السفارة السعودية في بغداد فلا تقتصر الحال على أن في الرياض سفيراً للعراق بينما السفارة السعودية في بغداد من غير سفير…
بعد الزيارتين المهمتين المشار إليهما واللتين أثلجتا الصدر العربي المحتقِن بأنواع لا حصر لها من الغيوم السوداء الناشئة عن صراعات أبناء الأمة الواحدة، ها هو رئيس الحكومة العراقية السابق نوري المالكي والذي أُعطي بعد إنصرافه وتشكيل حكومة جديدة برئاسة الدكتور حيدر العبادي منصب نائب رئيس جمهورية شأنه في ذلك شأن النائبيْن الآخريْن الدكتور اياد علاوي والمهندس أسامة النجيفي، يطل زائراً للبنان مصحوباً هو الآخر بوفد من التيار الذي يقوده وحَكَم به بضع سنوات إتسمت بالتحديات داخلياً وعربياً وكان من نتائجها المريرة أن مساحة الوحدة الوطنية في العراق تقلصت كثيراً وأن العلاقات مع دول الجوار الخليجي العربي كانت ضمن رؤية النظام في إيران لهذه العلاقات.
ومن الطبيعي بعد الأجواء الطيٍّبة التي نشأت عن زيارة الرئيس فؤاد معصوم بإسم دولة العراق إلى السعودية ثم زيارة رئيس البرلمان سليم الجبوري بإسم السلطة التشريعية في العراق تمهيداً لزيارة يقوم بها رئيس الحكومة الدكتورحيدر العبادي لإستكمال حلقات الإنفتاح، ونكاد نقول التطبيع الذي سُدَّت منافذه في السنوات المالكية… من الطبيعي بعد هذه الأجواء أن يسجل الرئيس نوري المالكي حضوراً له تُسلَّط عليه الأضواء ويستكمل به الحضور الذي ناله عندما زار إيران وقد بات رئيس الحكومة السابق، وخصَّه المرشد علي خامنئي بإستقبال يُعزّز به صفوف تيّار «دولة القانون». وحيث أن الجهة الوحيدة في العالم العربي التي إذا هو زارها يلقى فيها التكريم والإستقبال المتميز هي «لبنان حزب الله وحركة أمل والرموز السياسية المحلقة في فضاء الحزب والحركة» فإنه وصل إلى بيروت يوم الأحد الماضي على متن طائرة خاصة مصحوباً بوفد، وكان ممثلون من الحزب والحركة في إستقباله إلى جانب السفير العراقي رعد الألوسي. ورغم أن وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمّد فنيش كان بين المستقبلين إلاَّ أن الإستقبال كان حزبياً وحركياً وليس رسمياً الأمر الذي يعني أن الرئيس السابق نوري المالكي يأتي في زيارة شخصية ليست رسمية وهي مثل زيارات سابقة قام بها الدكتور إياد علاوي الذي رغم أن بعض جذوره لبنانية كان يُستقبل كضيف متميز في صالون الشرف ولا يلقى أيضاً من رموز «تيار المستقبل» المتجانس مع رؤاه هذه الحفاوة الحزبية – الحركية التي لقيها المالكي في المطار أولاً ثم في منطقة »إقليم التفاح» بعد لقاء مبرمَج يوم وصوله لرئيس الحكومة الأسبق السالكة خطوط «حزب الله» وحركة «أمل» معه كما هي ليست بهذه السلاسة مع رموز ومقامات سُنية بإستثناء المفتي المنصرف الشيخ محمّد رشيد قباني. ومن مظاهر الحفاوة الحزبية – الرسمية أنه بعدما جال الرئيس المالكي في «معْلَم مليتا الجهادي» في منطقة إقليم التفاح بدعوة من «حزب الله» برفقة ممثّل الأمين العام للحزب سار نحو الصالون الرئيسي في المعْلَم على سجادة حمراء إفتُرشت خصيصاً له كما عزفت الفرقة الموسيقية في كشافة الإمام المهدي لحن الترحيب به وبمستقبليه رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمّد رعد والنائب علي فياض والنائبان السابقان أمين شري وحسن حب الله ومسؤول منطقة الجنوب في «حزب الله» علي ضعون. وفي الجلسة التي سبقت جولة على المنطقة (التي تضم دبابات وآليات عسكرية إسرائيلية مدمّرة وزيارة المتحف العسكري الذي يحتوي على غنائم المقاومة في حرب تموز 2006). وحيث أنه لا بدّ من كلام يقال فإن ضيف «حزب الله» و«حركة أمل» تحدث بالتركيز على «داعش» قائلاً «إن العراق سيكون مقبرة لهذا التنظيم» معتبراً «داعش وخلْفها القاعدة وحزب البعث والطائفيون أدوات مصنّعة ممن يريد أن يهتك حرمة وسيادة هذه الأمة…». أما بالنسبة إلى فلسطين والمقاومة فإن ما قاله كان متناغماً مع كلام قاله في اليوم السابق (السبت 29 تشرين الثاني) العميد حسين سلامي نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني وبثَّه التلفزيون الرسمي. الرئيس المالكي قال «إن أول إنجاز حقَّقتْه المقاومة أنها حافظت على روحية الجهاد في الأمة وكشفت زيف الكثير من الذين يتعاطون الشأن المقدس شأن فلسطين والأراضي المقدسة والجهاد والمقاومة…» ومما قاله العميد سلامي: «إن أميركا غير قادرة على توفير أمن الكيان الصهيوني لأن أراضي فلسطين المحتلة كلها تلتقي عندها نيران حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي وإن الفلسطينيين في الضفة الغربية لن يتخلوا عن قضيتهم وفي يوم ليس ببعيد ستتحول إلى جحيم للصهاينة ويلتقي عندها أبناء غزة والضفة الغربية…». وعندما تكون السلطة الوطنية الفلسطينية تخوض مواجهة سياسية ودبلوماسية حققت حتى الآن مردوداً نسبياً لا بأس به وتعمل الجامعة العربية على مشروع قرار عربي يُلزم إقامة الدولة الفلسطينية ضمن سقف زمني محدَّد وينتظر القرار موافقة تسع دول أعضاء في مجلس الأمن عليه قبل تقديمه رسمياً إلى المجلس، فإن كلام المسؤول الثاني في الحرس الثوري الإيراني يعكس موقفاً من جانب إيران لا يخدم هذا التوجه، ذلك أن الورقة الفلسطينية ومن خلال «حزب الله» و«حماس» و«الجهاد الإسلامي» هي واحدة من أوراق أخرى تتمسك بها إيران إلى حين تطبيع العلاقة مع الولايات المتحدة. والحديث يطول ويتشعب حول بقية الأوراق ومسلسل الصراع.
لكن ما نريد قوله هو أن هذا التناغم بين كلام القيادي الثوري الإيراني وكلام المالكي وهو في زيارته الخاصة إلى لبنان والتي لم يأت في جانب من تصريحاته على ذِكْر لبنان على نحو ما فعله الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد عندما زار لبنان يوم 13 تشرين الأول 2010، ربما يعني أن الدكتور حيدر العبادي هو رئيس حكومة مؤقت في نظر إيران وأن نوري المالكي سيستعيد عرش رئاسة الحكومة وذلك لأن النظام في إيران من دون حكومة عراقية متفاعلة معه وغير منفتحة هي والرئاسة الأولى (فؤاد معصوم) والرئاسة الثانية (سليم الجبوري) على السعودية ودول الخليج، ومهما بلغ الشأن النووي لديه المرتبة المتقدمة سيَكون اللاعب المفقود الجناح القوي الذي يساعده على أن يرفرف في أجواء لعبة التحديات في المنطقة.
خلاصة القول إن زيارة الرئيس المالكي إلى «لبنان الحزب والحركة» كانت ضمن حراك للرد على زيارة «عراق الرئاستين» في شخص الدكتور فؤاد معصوم والدكتور سليم الجبوري إلى السعودية. فهل في هذا فائدة للعراق الذي يفتقد الإستقرار والوحدة الوطنية والحوار المجدي حاله في ذلك من حال لبنان… والمسبِّب واحد.