IMLebanon

معراب استوعبت «حملة احراجها لاخراجها»

يراكم سمير جعجع «نجاحات خطواته» ويبدو مزهوا بما ينجز ومرتاحاً الى مسار الامور التي تصب في خانة «قواته» وفي خانة اعادة التوازن المسيحي المفقود، هو الذي خرج «منبوذاَ» ومكروهاً من الشارع ومن بعض الصف المسيحي عاد الى الصدارة الاولى مسيحياً، فهو صانع الرؤساء» بحسب مصادر قواتية، او احد الصانعين والمضطلعين بدور رئيسي في معركة الرئاسة، أمسك بيده خصمه السياسي واوصله في مشهد سوريالي الى قصر بعبدا، وهو العائد بقوة بعد سنوات السجن والتهميش الى الساحة السياسية بعد المصالحة ليحصد هذه المرة «سياسيا ومسيحياً الى جانب جنرال الأمس وفخامة الرئيس اليوم».

ليس عادياً ان يقول سمير جعجع في المفاوضات الحكومية انه «يتكل على صخرة بعبدا» هو الذي عرف في فترة مناكفته لميشال عون بعبارته الشهيرة «الجنرال بيمون». حلَت عقدة المردة حكومياً بتنازل عين التينة عن حقيبة الأشغال فارتفعت الهمسات بان العقدة ستأتي من معراب بان يحصل الاحتجاج من قبلها لكن العارفين في كواليس ما يحصل على خط بعبدا معراب لم يهزهم الخبر فالتفاهم وثيق وثابت وقد «لا يكون رئيس تيار المردة مخطئاً في جوابه على سؤال عن حصة القوات ومدى قبولها «إسألوا التيار الوطني الحر».، فالتيار الوطني الحر حريص ومعه رئيس الجمهورية على حفظ موقع اساسي في الحكومة للشريك القواتي على حد قول مصادر البرتقالي، وهذا بحد ذاته ضمانه ويعطي حصانة للتفاهم الذي اصبح قوي العود منذ الانتخابات الرئاسية وما سبقها من مراحل، فالزيارات بين مقرات التيار الوطني الحر ومعراب صارت شبه يومية، الصور لمسؤولي وقيادات الفريقين المتبادلة على مواقع التواصل الاجتماعي توحي «بغرام» مستحيل تفريقه بحقيبة حكومية، وبدون شك فان التطور الاخير او «الحشر» الوزاري الذي لجأ اليه رئيس المجلس باعطاء وزارة الأشغال لحليفه المسيحي في بنشعي استدعى خلية اتصالات وخطوط مفتوحة بين معراب وقيادة التيار الوطني الحر لمواكبة التعديلات على المسودة «الوزارية».

خيضت على القوات معركة «إلغاء» في شأن حصولها على حقيبة سيادية، بالطبع لم تكن القوات هي الهدف المباشر والوحيد للحملة انما تفاهم معراب بالدرجة الاولى، تقول مصادر الطرفين، وبعد تجاوز العقدة الاولى فتحت النار لانتزاع وزارة الأشغال التي كانت تتطلع اليها القوى بقوة واهتمام لتؤول او يتم اهداؤها من حركة أمل الى بنشعي، وفي كلتي الحالتين حاولت القوات الإتكاء على كتف التيار الوطني الحر في المفاوضات الحكومية وهي التي تعتبر ان الرئيس المكلف متشبث بالتفاوض معها وعدم احراجها لإخراجها من الحكومة. حتى الساعة التي تفصل عن اعلان الحكومة يمكن القول ان القوات حصلت على ثلاث وزارات، نائب رئيس الحكومة ووزارة الاعلام ووزارة الصحة او ما يشبهها حسب مفاوضات ربع الساعة الاخير ووزارة لحليفها الكاثوليكي ميشال فرعون الذي يحتسب من حصتها وحصة العهد مشتركة. والحصة القواتية برأي المصادر ليست فضفاضة انما ضمن الحصة المتوازنة مسيحياً خصوصاً وان القوات لم تشارك في حكومة تمام سلام.

ومهما رست التركيبة الحكومية فان القوات بالتفاهم مع التيار الوطني الحر كرست المشاركة المسيحة بين القوتين الاساسيتين في الشارع المسيحي تضيف مصادر الطرفين، واستطاعتا على غرار الثنائية الشيعية ان تفرضا شروطهما الوزارية وتفاوضان معاً في تأليف الحكومة، وسمير جعجع اصبح بالنسبة الى التيار الوطني الحر حليفاً استراتيجياً وان كان ليس من الخط السياسي نفسه، لم يترك رئيس القوات 14 آذار وقد يكون من القلائل الذين يتمسكون بثوابت آذارية صلبة، ولكن الفريق الآذاري لم يعد يشبه نفسه تماماً كما تلاشى فريق 8 آذار بالاسلوب والطريقة نفسها والتحولات السياسية الدراماتيكية على الفريقين.

ويظهر الغوص في التفاصيل اليومية السياسية العديد من النقاط الرابحة التي سجلها «حكيم معراب» تؤكد مصادر القوات، فهو استطاع ان يكون شريكاً في السلطة الى جانب التيار الوطني الحر في الوزارة وعلى الساحة المسيحية وفي المرحلة اللاحقة في التحالفات النيابية التي ستكرسهما فريقان مسيحيان قادران على تحقيق تسونامي مسيحي في الانتخابات النيابية وبالتالي ستكون القوات قادرة على الفوز في مناطق كانت مستعصية عليها بفعل تحالفات التيار الوطني الحر و«الفيتو» عليها. وبدون شك فان رئيس الجمهورية الذي يريد في عهده ان يكون «بي الكل» ويسجل خطوات انفتاح تجاه كل اللاعبين على الساحتين الداخلية والخارجية ولا سيما التطور الايجابي في العلاقة بين العهد والسعوديين يريح زعيم معراب الذي لا يمانع «حكيمها» ربما في الانفتاح او مد جسور مع حلفاء الرابية ربما خصوصاً في حارة حريك وبدون شك فان اطلالة الامين العام لحزب الله وكلامه عن حيثية شعبية للقوات وعدم انزعاجه من تفاهم معراب لاقت استحساناً لدى القوات التي كانت تشكو في ما مضى من فيتو الضاحية عليها وعدم ملاقاتها لليد المفتوحة خصوصاً ان الساحة السياسية تشهد تبدلات وتغيرات في المواقع وان المشهد الايجابي رغم بعض الاشكاليات ايجابي ومقبول.

باعتقاد المصادر المقربة من القوات ان سمير جعجع من اكثر السياسيين الذين احسنوا الاداء السياسي والتموضع مؤخراً مراكماً من رصيده السياسي والشعبي، فهو لم ينتقل من 14 آذار ولم يتراجع عن مواقفه التي تنتمي الى هذا الفريق رغم انه كان اول من بادر الى ترشيح اقسى اخصام هذا الفريق، اوبالعكس فان خطوات جعجع منذ تفاهم معراب الى يوم وصول ميشال عون الى قصر بعبدا أكسبت رئيس القوات الكثير في السياسة حيث لم ينجح كثيرون، فصحيح ان ميشال عون حقق حلم ضاع من ستة وعشرين عاماً وتوج مرحلة نضاله السياسي الا ان جعجع حقق في بضعة خطوات منذ وضع يده بيد ميشال عون ما عجز عن تحقيقه لسنوات خلت من مصالحة مع المجتمع السياسي وطي صفحة الماضي مع ميشال عون وتلميع صورته المسيحية الى حد كبير التي تشوهت لدى بعض المسيحيين في مرحلة الاحداث والحرب اللبنانية.

ثبت سمير جعجع معادلة ان الرئيس المسيحي هو نتاج «صنع في لبنان» فهو الذي مهد طريق عون الى القصر تشدد المصادر، وهو الذي كرس العرف القائل بان الاندفاعة الداخلية والتكتيك الذكي قد تنتج رئيساً رغم كل التعقيدات وهي ضرورية في هذه المرحلة البالغة التعقيد امنياً وسياسياً وصح اعتقاده. ولعل جعجع تقصد تسليف «الجنرال» موقفاً تاريخياً لم يسبقه اليه حلفاؤه من الخط السياسي الواحد في بنشعي وعين التينة اما للمزايدة على هؤلاء او لتحقيق مكاسب في مراحل لاحقة. فسمير جعجع يدرس خطواته جيداً على الساحة المسيحة وهو منذ انجز تفاهم معراب مقتنع بان التقارب من ميشال عون افضل من الافتراق عنه، فالتفاهم اكسبه على الساحة المسيحية ولم يخسره في السياسة فلم يقطع علاقته بتيار المستقبل وان ساءت في المراحل الماضية وبالعكس فان ترشيح سعد الحريري لعون قرب المسافة مجدداً بين الحليفين في معراب وبيت الوسط واثبت ان ما حصل على خلفية الملف الرئاسي بينهما «غيمة صيف ومرت» وان لطشة الحريري لجعجع في احتفال البيال وتقربه من سامي الجميل لم يحقق مبتغاه ولم ينتقل الشيخ في بكفيا الى موقع جعجع ليحتل مكانه وموقعه بالنسبة الى زعيم المستقبل وهو لن يدخل الجنة الحكومية.

واذا كانت الاستحقاقات الداخلية وخصوصاً بين ميشال عون وحزب الله عرفت او ارتبطت بالوعد الصادق من الضاحية الى الرابية على ما وصفت العلاقة بينهما منذ توقيع تفاهم مار مخايل عام 2006 والذي حمى المقاومة التي طعنت بالظهر من اللاعبين في الداخل وأمن لها الغطاء المسيحي وحيث ان حزب الله «رد الجميل» لعون اليوم في استحقاق الانتخابات الرئاسية بالتزام أخلاقي لا مثيل له في العلاقات السياسية، فان صفة الوعد الصادق تنطبق ايضاً اليوم على علاقة القوات والتيار الوطني الحر بحسب المصادر المقربة من القوات، التي تشكل صدمة للعارفين عن كثب في التفاهمات الحاصلة بين الرئيس عون وقيادة التيار الوطني الحر ورئيس القوات وما يدور في كواليس الطرفين وكأن الماضي الاسود بينهما لم يحصل يوماً.