IMLebanon

مبادرة معراب.. نحو المراوحة القاتلة!

لعلّه من المبكر إصدار الحكم النهائي على مبادرة معراب، بإعلان تبني ترشيح العماد عون للرئاسة الأولى، على اعتبار أن مرور أسبوع واحد على إطلاق المبادرة، قد لا يكون كافياً للحكم لها، أو عليها!

ولكن تلاشي مفاعيل «صدمة معراب» بهذه السرعة، يستدرجنا للحديث عن مواقع النجاح ومواطئ الفشل، وتبيان نسبة التقدم هنا، وحجم الصدمات والعرقلات هناك، ومقدار المراوحة بينهما، وذلك على إيقاع محاولة رئيس القوات تحقيق اختراق صاعق، يصيب من خلاله عدّة أهداف سياسية ورئاسية، مسيحية وحزبية، في وقت واحد!

ليس من الإنصاف تجاهل الأجواء الإيجابية التي سرَت في الشارع المسيحي، لمشهدية المصالحة بين زعيمين مسيحيين لدودين، دفعت المارونية السياسية، ومواقع المسيحيين في المعادلة الوطنية، أثماناً باهظة لخلافاتهما المستديمة، والتي بلغت ذروتها الدموية والتدميرية في حرب الإلغاء عام 1989.

وبدا واضحاً أن الأوساط السياسية عامة، والمسيحية خاصة، قد حرصت على التمييز بين مصالحة تطوي صفحة سوداء من العداء المستحكم، دام عقوداً بين الطرفين، وبين تركيب ثنائية حزبية مارونية، تؤدي إلى إلغاء القوى والأحزاب الأخرى، على الأقل العمل على إضعافها، وإلحاقها بالحلف الثنائي الوليد، الأمر الذي أدى الى حدوث هزة عنيفة في تلك الأوساط ، أيقظت كل هواجس الصراعات التقليدية والمستجدة، على السلطة، وعلى النفوذ في الشارع المسيحي.

كان الهاجس الأكبر لدى الأفرقاء المسيحيين الآخرين، أن تتجاوز صيغة التفاهم الثنائي بين «التيار» و«القوات»، حدود الترشيح الرئاسي لعون من قبل جعجع، لأسباب وردود فعل أصبحت معروفة، ولا مجال للخوض فيها الآن، إلى نوع من التحالفات تبدأ في الانتخابات الرئاسية، وتستمر في الدوائر الانتخابية النيابية، وتصل الى حدود تقاسم حصة المسيحيين في السلطة: من الحكومة الأولى للعهد العتيد، إلى المراكز الأساسية في الإدارات والمؤسسات العامة.

وبقدر ما أثارت المصالحة بين الخصمين اللدودين، عون وجعجع، ارتياحاً في الأوساط المسيحية، فقد أثارت أيضاً الكثير من الحذر والارتياب في الساحة المسيحية، التي استشعرت أطرافها خطراً داهماً من تركيبة الثنائية الجديدة.

لقد أعطت خطوة معراب فرصة نادرة لحزب الكتائب ورئيسه الشاب، كان، على ما يبدو، ينتظرها بفارغ الصبر، فالتقطها وعمل على ترجمتها، بحنكة ورصانة، عبر مناقشة هادئة لإعلان معراب، أثارت اهتمام شرائح واسعة من اللبنانيين.

ما كان للحزب المسيحي التاريخي، والمُستضعف من قبل خصومه، أن تتاح له مثل هذه الفرصة الذهبية، لولا وقائع مشهدية معراب، التي انطوت على مؤشرات واضحة لإلغاء الأحزاب والقوى المسيحية، الخارجة عن إطار الثنائية المارونية المستجدة!

أدت هواجس الهيمنة الثنائية إلى فرملة مبادرة جعجع في الأوساط السياسية المسيحية، وجاء رفض الحلفاء في 14 آذار، وتحفظ كتلتي الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط ، ليحكم دائرة الحصار للمبادرة التي انزلقت بسرعة إلى دائرة المراوحة القاتلة، بعدما سُدت أمامها معظم المنافذ المفيدة!

* * *

لم يكن حظ مبادرة معراب في الخارج، أفضل مما كان عليه في الداخل!

المفارقة المستغربة من قبل أصدقاء «الحكيم»، أن الرجل أقدم على خطوة تنطوي على هذا القدر من المغامرة، من دون أن يأخذ في الحسبان، ما سمعه من حلفاء وأشقاء، من ضرورة التروي، وعدم وجود ما يستوجب الاندفاع السريع نحو هذا الخيار، الذي لم يقلب الطاولة داخلياً، بقدر ما قلبها على علاقات التحالف التي نسجها الدكتور جعجع بشق النفس طوال السنوات العشر الماضية.

لعل آخر الرسائل وأوضحها وأكثرها صراحة، كانت التي حملها الوزير نهاد المشنوق، المعروف بدفاعه عن صداقته للحكيم، حيث وقف على باب معراب ليُعلن بأن الظروف الإقليمية لا تساعد حالياً على إجراء الانتخابات الرئاسية، وأن الملف عاد إلى الثلاجة من جديد!

وفهم من يعنيهم الأمر من الحلفاء في 14 آذار، بأن وزير الداخلية نجح في إقناع صديقه في التريث وعدم الإقدام على خطوة ترشيح عون الآن!

ولا ندري إذا كان ما حصل بينهما هو عكس ذلك، بحيث أوحى الحكيم لصديقه بعدم استعجاله على الخطوة التي كان يعد لها باتقان، وبتكتم شديد، طالما أن الظروف غير مهيأة للانتخابات الرئاسية.

وردود الفعل الخارجية المتوجسة من هذه الخطوة، لا تحتاج إلى شرح وتفصيل، خاصة وأن مشهدية معراب حصلت في ذروة الاشتباك السعودي – الإيراني، وخروج الوزير باسيل، صهر العماد المدلل، عن الإجماع العربي، والتداعيات السلبية لهذا التصرّف الأخرق، في دوائر القرار العربية.

* * *

لا نريد أن ندخل في جردة حساب حول الأرباح والخسائر لمبادرة معراب، ونترك للأحداث والتطورات المتلاحقة تظهير هذه النتائج على أرض الواقع تباعاً.

… سيما وأن كل المؤشرات الداخلية والخارجية توحي بأن لا انتخابات رئاسية وشيكة في لبنان… حتى إشعار آخر!