بدا لأي متابع بدقة وواقعية خطوة الدكتور سمير جعجع من معراب بتبنّي ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية، أن الهزات الارتدادية لهذه الخطوة كانت ذات دلالات ومفاعيل، ربما هي أكبر وأبلغ معنى من الحدث نفسه. فالدكتور جعجع خرج بعد هذه المبادرة الحدث، أكثر احتراما من الخصوم، كما من الحلفاء، وأكثر تأييدًا من الرأي العام، وخصوصاً القواعد المسيحية التي بات بالنسبة إليها يمثل الوجدان المسيحي وحامل تلك المبادئ التي لم يَحِدْ عنها، على الرغم من تبدّل الأوضاع والظروف والمعطيات على مدى عقود من الزمن.
أما وطنياً فقد أثبت أنه بحق حارس الجمهورية. فهو الوحيد الذي تقدم ببرنامج رئاسي واضح ومتكامل حمله إلى جميع الأطراف لحضهم على السير معاً إلى الجمهورية القوية. وهو الوحيد الذي ترك الباب مفتوحاً على أي خطوة أو مبادرة تنقذ الرئاسة. وهو الوحيد، وهذا هو الأهم، الذي دعم وصول خصمه السياسي إلى الرئاسة، من دون أن يتخلى عن مشروعه ومبادئه التي تضمّنتها النقاط العشر.
في المقابل أثبتت خطوة معراب أنها فعلًا “حيث لا يجرؤ الآخرون”، فأحدثت صدمة إيجابية في الوسط السياسي وأعادت خلط الأوراق ووضعت الجميع أمام ضرورة المبادرة لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، مع ما يعني ذلك من إنقاذ للوطن وللمؤسسات التي بدأ تآكلها بفعل الفراغ الرئاسي يهدد الدولة برمّتها، وينذر بعواقب قد يعجز اللبنانيون عن مواجهة تداعياتها مستقبلًا نتيجة التراكمات والتعقيدات التي تلقي بها علينا الأحداث والتطورات في الداخل أو في المنطقة.
وكان واضحًا أن مبادرة معراب وجّهت أكثر من رسالة في اتجاه الداخل والخارج. فهي أرادت التأكيد أن اتفاق المسيحيين ينقذ الجمهورية وأن اختلافهم ليس قدرًا محتومًا، من دون أن يعني ذلك أن هذا الاتفاق موجه إلى الشريك في الوطن، بل بالعكس، إذ أكد الدكتور جعجع مبادئ “ثورة الأرز” ووحدة قوى الرابع عشر من آذار وأهدافها، داعياً مكوناتها إلى تأييد المبادرة والعمل معا على استثمار الإيجابيات التي تضمنتها، والتي تعود بالخير على الجميع.
وثمّة من يقول إن اللافت في المبادرة ليس تبنّي الدكتور جعجع ترشيح العماد عون فحسب، إنما تبنّي العماد عون المبادئ التي طالما ناضلت قوى الرابع عشر من آذار وضحّت من أجل تحقيقها. فتفاهم الحكيم مع الجنرال أكد التزام اتفاق الطائف وتعزيز مؤسسات الدولة ودعم الجيش وتمكينه من بسط السيطرة على كل التراب الوطني، وانتهاج سياسة خارجية مستقلة تخدم مصلحة لبنان وتحترم القانون الدولي، ونسج علاقات تعاون مع الدول العربية بما يحسّن الوضع الداخلي اللبناني سياسيًا وأمنيًا. وهو ما اعتبر رسالة طمأنة إلى المحيط العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية.
وأكد اتفاق الطرفين على اعتبار إسرائيل دولة عدوة، والتمسك بحق الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم ورفض توطينهم. وكذلك ضبط الأوضاع على طول الحدود بين لبنان وسوريا وعدم السماح بتهريب السلاح والمسلحين في الاتجاهين. والتزام قرارات الشرعية الدولية ومقرّرات طاولة الحوار الوطني والتي تعني تحديدا “إعلان بعبدا”. والأهم من كل ذلك الاتفاق على ضرورة إقرار قانون جديد للانتخابات يراعي المناصفة الفعلية وصحة التمثيل لكل الأطراف.
وخلاصة ذلك أن حدث 18 كانون الثاني أكد أنّ هناك من لم يفقد البوصلة، وأن القوات اللبنانية ما زالت حارسة الجمهورية وأمينة على تضحيات شهدائها ومبادئ “ثورة الأرز” التي أثبت الدكتور سمير جعجع أنه يجسدها خير تجسيد، وهو يمدّ يداً إلى الخصوم من دون أن يسحب الأخرى من الحلفاء، كما يؤكد في كل مناسبة متانة التحالف معهم وحرصه على التعاون والعمل معا لإنقاذ لبنان. وما من تأكيد على صحة هذه التوجهات أبلغ من اختيار اللبنانيين له رجل العام 2015، متقدماً بفارق واضح عن سائر الشخصيات اللبنانية البارزة.