IMLebanon

معراب… على البارد!

استنفدت الصحافة ووسائل الاعلام كل مفردات التعظيم والانذهال بحدث معراب كما لم تفعل مع اي حدث داخلي سابق. وهو امر مبرر موضوعيا أمام هذه المحطة من محطات التحولات والانقلابات السياسية اللبنانية المثيرة خصوصا متى اتصل التطور الطارئ بواقع ثنائية مسيحية تسببت يوما بأفدح الزلازل للمسيحيين، وها هي الآن تحاول أخذهم بسرعة قياسية الى معايير التوحد على المستقبل. يقطف “الحكيم” حتما قصب السباق في انطباعات الرأي العام الداخلي وكذلك في الاستخلاصات السياسية ايا تكن مقاصدها من انه بطل التحول الذي جعل معراب وسمير جعجع شخصياً الممر الإلزامي الى بعبدا والسنوات الآتية في المعادلات السياسية الداخلية كما في الشارع المسيحي. الامر يكتسب وجاهة استثنائية في العمق المسيحي واللبناني الاوسع متى تكرست معادلة تفاهم الثنائية العونية – القواتية في فرض قواعد اشتباك وقواعد توازنات جديدة على الشركاء في الطوائف الاخرى وحتى ضمن الجماعات المسيحية الاخرى على قاعدة “عدالة” النظام الطائفي وكما أنتم نحن بلا زيادة او نقصان. ولعلها ستكون السابقة التي لم يسجل مثلها منذ فجر الطائف في اعادة الاعتبار الى التوازن واقعيا وفعليا من خلال لاعب “ثقيل ” لا يمكن تجاوز حضوره القوي.

رغم كل هذه المشهدية الاستثنائية التي تثير غمرة من الاضطراب غير المسبوق لدى اللبنانيين، ولا سيما منهم المسيحيين، ترانا أمام محاذير يستحيل تجاهلها لهذا الخيار ليس من الزاوية المسيحية بطبيعة الحال التي يصعب الجدال الآن في استخلاصاتها المبكرة وانما من الباب الاوسع الذي يعني كثيرين وهو الخيار الرئاسي عبر المعايير “الوطنية ” فقط. معادلة ترشيح معراب للجنرال عون ذهبت واقعيا بالصراع الداخلي الى استكمال الفصل الاخير مما ذهبت اليه مبادرة الرئيس سعد الحريري غير المعلنة بعد بترشيح النائب سليمان فرنجية، اي انهما قوضا القواعد الطبيعية لبقايا صراع عابر للطوائف بين جبهتي ١٤ آذار و٨ آذار من خلال تطويب مرشحي ٨ آذار والاتجاه تدرجا الى دفع فرنجية للانسحاب أمام عون. ليس الخيار الإجماعي غريبا على تاريخ الاستحقاقات الرئاسية اللبنانية، ولكن تجربة تجري على وقع تدمير تحالف ١٤ آذار لا تؤخذ نموذجا عابرا إضافيا للتجارب اللبنانية بهذه البساطة. لم تتبد بعد فداحة الاختلال الذي سيحدثه خلط الاوراق الهائل الذي رسمت صورته احتفالية معراب لجهة ما نعده مع كثيرين اطلاق العد العكسي لنهاية ١٤ آذار مهما أخضعت هذه الخلاصة لتجميل وتنميق. حتى النقاط العشر السيادية التي تفوق الدكتور جعجع في تثبيتها “برنامجا لمرشحه” لن تكفل ردع مخاوف الكثيرين من تداعيات انقلابية لانهيار قواعد التوازن الوطني الذي كان تحالف ١٤ آذار حارسا على ملعبه.

مع صعوبة تجاوز مشاعر المتحمسين، عسانا نكون مخطئين.