بعد إعلان رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، عن تبنيّه لترشيح العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، مستعيناً بشعار القوات الشهير «حيث لا يجرؤ الآخرون»، بات المشهد السياسي صادماً لانه حقاً إحتاج الى الجرأة، بعد ان أحدث صدمات للحلفاء والخصوم معاً وعلى جميع المحاور السياسية، في ظل تأكيد من جعجع على ان الترشيح هذا إحتاج الى دراسة وتفكير ومناقشات ومداولات في الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية، بهدف الخروج مما نحن فيه اليوم الى وضع مستقر وآمن.
هذا المشهد الذي اتى من معراب قلب كل المقاييّس، وأشعل لبنان سياسياً ايجابياً وسلبياً، كما أشعل مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيدين ومعارضين غير مصدّقين لما يجري. بحيث كان المتابعون يرون أن العلاقة المستجدة بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» لن تتعدى ورقة إعلان النوايا التي وقعّت في حزيران 2015، أي انها ستكتفي بطمأنة الشارع المسيحي والتخفيف من الاحتقان، خصوصاً ان عون وجعجع اعلنا ترشيحهما للرئاسة أي انهما في خندق ضد بعضهما، لكن ما جرى مساء الاثنين خلط كل الاوراق السياسية في لبنان، على حدّ قول مصادر مسيحية، لانه انهى فريقيّ الرابع عشر والثامن من آذار الى غير رجعة، وبالتالي أنتج حرب إلغاء ضد كل مكوناتهما السياسية، وأنه في الماضي ولدى طرح أي ملف شائك خصوصاً في الاطار المسيحي، كانت تتردّد الاصوات السياسية ومن مختلف اطيافها، لتؤكد أن أي اتفاق بين العماد عون والدكتور جعجع مستبعد، حتى ولو اتت النتائج مخيبّة لآمال المسيحيين، اما اليوم وكما يقول المثل الشائع «فقد جمعتهما المصيبة»، بعد طرح إسم النائب سليمان فرنجية كمرشح تسوية، من خلال طبخة خارجية تنفذها مكونات سياسية غير مسيحية، ما حثهما على إعلان جبهة رفض تحّضرت كواليسها فإنتهت بتشكيل حلف سياسي ماروني، بفضل طبخة الحريري التي وحدتهما بشكل كبير. لكن ثمة اسئلة تطرح اليوم من المشككين، لان الماضي الاليم بين جعجع وعون لن يُمحى لانه اسقط شهداء من الطرفين، لذا فمشهد يوم الاثنين لن يتقبله البعض بسهولة، وهو يحتاج الى المزيد من القراءة السياسية كي يستوعب صدمته، لانه يشعر بمخاوف من وصول عون الى بعبدا خصوصاً ان تجارب الماضي لا تطمئن كثيراً بين الطرفين.
واعتبرت المصادر المذكورة أن الثنائية المارونية اليوم تبدو مشابهة كثيراً للثنائية الشيعية، التي تتفق على أي مهام او مركز شيعي، فتلغي على الفور الأصوات الأخرى وتقول كلمتها ونقطة على السطر، وهذا هو المطلوب اليوم في الاطار المسيحي، بعد بروز الثلاثي: الحريري – بري ـ جنبلاط، فيما عون وجعجع كانا دائماً خارج إطار هذه اللعبة، لكن اليوم إنقلب المشهد، ولم تستبعد المصادر رداً اسلامياً من خلال توافق مرتقب ضد دعم جعجع لعون، مبدية تخوفها من ان يؤدي التوافق الاسلامي الى إحداث فراغ رئاسي الى مدى بعيد، أي قد يكون الحل بإعادة البحث عن مرشح من خارج الاقطاب، هذا في حال ردّ الرئيس سعد الحريري بتجميد الدعم لفرنجية، مقابل سحب ترشيح عون، سائلة عن الجهة الاقليمية التي اعطت الضوء الاخضر لدعم القوات لعون؟ كما سألت عن كيفية توافق عون بين ورقة التفاهم مع حزب الله وورقة النيّات مع القوات؟ ورأت أن النتيجة الابرز من حدث معراب هو ظهور جعجع على الساحة المسيحية، كشخصية قوية قادرة على رسم مستقبلها السياسي المرتقب، مشيرة الى الذي شهدناه في الامس من قلب اوضاع الكتل النيابية، التي سارعت الى اعلان اجتماعاتها المفتوحة لقراءة ما يجري من أبعاد على خطوة جعجع، والى اين سيتجه بها في المستقبل والى اين ستسير هذه الخطوة بلبنان؟ لاننا لم نشهد أي تغييّر في مواقف عون السياسية، او على الاقل لم يظهر نيتّه بالتغييّر، معتبرة أن ما جرى لا يعني ان عون سيكون في قصر بعبدا بعد ايام، لان الامر مرهون بعوامل عدة، اولها مدى مصداقية الداعمين لعون ولفرنجية، وما سنراه في صندوقة الانتخاب من اسرار معلنة في الدقيقة الاخيرة، وبالتالي مدى توزيع الحصص بين المراكز الثلاثة والوعود، إضافة الى وضع المنطقة السياسي والامني وما يتطلب تحديداً في هذه المرحلة.