أي هدية حملها كنعان إلى جعجع؟
لقاء معراب يناقش خيارات المسيحيين منذ 1919
قبل أيام قليلة، زار أمين سر «تكتل التغيير والإصلاح» النائب ابراهيم كنعان معراب، حيث التقى رئيس «حزب القوات اللبنانية» سمير جعجع، بعدما وصل النقاش التمهيدي للقاء المرتقب بين العماد ميشال عون وجعجع الى مرحلة دقيقة وحساسة، باتت تتطلب لقاءً مباشراً مع رئيس «القوات» الذي يمثله في الجلسات التحضيرية مسؤول جهاز الإعلام والتواصل ملحم رياشي.
لم يحصل أن زار كنعان معراب من قبل. كانت هذه هي المرة الاولى التي يدخل فيها الى قلعة «القوات» المحصنة، ولذلك كان جعجع حريصاً على إبلاغ عناصر الحماية عند المداخل بضرورة التعامل بأفضل ما يمكن مع الزائر غير المألوف.
لم يرغب كنعان في أن يدخل الى معراب خالي الوفاض. فكر في الليلة التي سبقت الزيارة بما يمكن أن يحمله معه الى رئيس حزب «القوات»، فوجد ضالته في مكتبته، وتحديداً في كتاب «وثائق البطريرك الياس الحويك» الصادر عن المركز الماروني للدراسات في بكركي، والذي يتضمن مراسلات تمت بين الحويك والفرنسيين ومرجعيات لبنانية، خلال فترة ترؤس البطريرك الوفد اللبناني الى مؤتمر الصلح في باريس عام 1919، وما بعدها.
قرر كنعان أن يهدي جعجع هذا الكتاب لشعوره بأن مضمونه المتصل بالدور المسيحي الريادي في تلك الحقبة التاريخية يتقاطع مع جوهر الأفكار التي تخضع للنقاش بين «التيار الوطني الحر» و «القوات».
وخطّ كنعان الإهداء الآتي لجعجع:
«الى الدكتور سمير جعجع. آمل ان نسعى معاً لاستعادة بعض الموقع وبعض الدور المسيحي الذي تجسده صفحات هذا الكتاب، وذلك حماية للشراكة الوطنية الفعلية.. المفقودة والمغيبة».
بدا جعجع مسروراً بالهدية التي شكلت أفضل مدخل الى قرابة ساعتين من النقاش حول كيفية استعادة وزن الحضور المسيحي في المعادلة اللبنانية.
ولم يفت جعجع أن يقدم «شوكولا» مغلفاً بأرزة «القوات اللبنانية» الى ضيفه الذي سارع الى مخاطبة «الخصم المزمن»، قائلاً: «عندما تزور الرابية سنقدم لك شوكولا يحمل شعار التيار الوطني الحر».
ويبدو أن زيارة جعجع الى عون في الرابية، تقترب شيئاً فشيئاً، وهناك من يتوقع أن تتم في أواخر الشهر الحالي أو في مطلع الشهر المقبل، علماً أن الإعداد لها سيُستكمل، من خلال لقاءات تُعقد هذا الأسبوع بين عون وكنعان والرياشي في الرابية.
ويمكن القول إن الاجتماع بين جعجع وكنعان، بحضور رياشي، ساهم في قطع شوط إضافي نحو إنضاج ظروف انعقاد «لقاء القمة»، لا سيما أن الاجتماع كان «جدِّياً وصريحاً وعميقاً ومنتجاً»، وفق ما يؤكده المطلعون الذين ينقلون عن جعجع قوله لكنعان: «للمرة الأولى يحصل حوار بهذا العمق وهذه الجدية بيننا وبينكم».
خلال جلسة معراب، تناول النقاش المراحل التي مرّ فيها الدور المسيحي في لبنان، بدءاً من مساهمته الأساسية في تأسيس الكيان وصولاً الى حالة التهميش التي يعاني منها منذ عقود من الزمن، وانعكست خللاً في الشراكة والتوازن على المستوى الوطني.
وتطرق البحث الى علاقات المسيحيين بمحيطهم العربي وبالغرب، وإلى الخيارات التاريخية التي اتخذها كل من «القوات» و «التيار» في هذا المجال، وما تركته من انعكاسات على لبنان عموماً والحالة المسيحية خصوصاً. كما جرى الخوض في الإخفاقات التي حدثت وأسبابها ونتائجها.
وفي سياق هذا العرض، تناول كل طرف حيثيات تحالفاته الداخلية («القوات» مع «المستقبل»، و»التيار» مع «حزب الله») وشرح نظرته الى العلاقة بالقوى الإقليمية، كما قدم مقاربته حيال المردود الذي عاد به خياره على المسيحيين.
وجرت مقارنة أوجه التشابه والاختلاف بين ورقتي العمل المقدمتين من «التيار» و «القوات»، واللتين انطلق منهما كنعان لطرح مسودة إعلان مشترك تولى إعدادها وتتضمن مبادئ عامة لتنظيم العلاقة المتبادلة بعد 30 سنة من الخصومة الحادة.
وتبين بعد المداولات، أن هناك أموراً جرى تطابق او تقارب في شأنها، ومنها مسألة الإصلاح الإدراي والمالي في الدولة وملف النازحين السوريين، إضافة الى وضع قاعدة مشتركة لقانون الانتخاب يمكن البناء عليها.
أما في ما خص الاستحقاق الرئاسي، فتفيد المعلومات أن تقاطعات حصلت حول بعض جوانبه، قد تسمح في حال تطورها، بأن يصبح احتمال دعم جعجع لانتخاب عون واقعياً، علماً أن أوساط التيار تعتبر أن الرئيس القوي الذي يملك حيثية شعبية إنما هو قادر على التوفيق بين اللبنانيين، في حين أن الرئيس الضعيف التوافقي سيكون أعجز من أن يفعل ذلك.
هل يمكن أن تمر طريق عون الى بعبدا بمعراب؟
صحيح أنه لا توجد مستحيلات في السياسة، لكن الأكيد أن هذه الطريق لا تزال تحتاج إلى الكثير من الإسفلت السياسي، قبل أن تصبح سالكة وآمنة أمام الجنرال.