حزب الله يلتزم تشغيل كاسحة ألغام سياسية على طريق العماد ميشال عون الى قصر بعبدا. والرئاسة لم تعد حلما. فلا فيتو في العواصم المؤثرة. ولا قدرة لدى المعترضين في الداخل على تجميع أصوات تقلب المعادلة. وكما في التعطيل كذلك في التسهيل: لا أوراق مستورة في اللعبة الرئاسية. لكن الجو مملوء بأحاديث المفاجآت. الداعمون لرئاسة عون يتحسبون لمفاجآت قد تؤخر أو تعرقل. والمعارضون يراهنون على مفاجات قد تعطّل. فليس في السياسات في لبنان ثوابت، بصرف النظر عن كثرة التمسك بها في الخطاب. وكما تغيّرت مواقف الذين كانوا خصوم عون وحزب الله، يمكن أن تتغيّر اليوم مواقف معترضين يحرصون على القول انهم لم ولن يخرجوا من المواقع التي كانوا فيها.
والمفارقة ان المؤيدين ليسوا في صفّ واحد، والمعترضين ليسوا في صفّ واحد، وان كان الكل يريد انهاء الشغور الرئاسي. المؤيدون نوعان: واحد في المحور الاقليمي الذي رأس حربته في لبنان حزب الله المتفاهم مع التيار الوطني الحر. وآخر ضد هذا المحور الاقليمي ويقف في المحور الاقليمي المعاكس، لكنه يستعجل انتخاب رئيس ولديه طموحات داخلية. والمعترضون نوعان أيضا: واحد متفق مع حزب الله والجنرال على المواقف من صراع المحاور الاقليمية، لكن له حسابات محلية مختلفة.
وآخر ضد مواقفهما الاقليمية والمحلية ومتخوف من ان يصبح لبنان بشكل رسمي جزءا من المحور الايراني.
ولا شيء، كما يبدو، بالخيار بل بالاضطرار. فما نراه هو لقاء مضطرين لا تفاهم حلفاء. وما سمعناه هو توصيف كل قرار في اتجاه التفاهم بأنه تضحية. الرئيس سعد الحريري اعتبر تأييده ترشيح العماد عون تضحية ومخاطرة كبيرة جدا. والسيد حسن نصرالله قال ان موقف حزب الله اللاممانع لتكليف الحريري تأليف الحكومة هو تضحية كبيرة جدا. فضلا عن ان القوات اللبنانية المتفاهمة مع التيار الوطني الحر مختلفة مع حزب الله بأكثر من الاختلاف بين اعلان النوايا وتفاهم مار مخايل. والكل يريد ان يعرف تفاصيل نقاط الاتفاق بين عون والحريري.
وهذه وصفة لسياسات سلبية، وان كان القاسم المشترك هو الحاجة الى ملء الشغور الرئاسي والتسليم بانتخاب عون. والسؤال ليس ما الذي يحدث قبل الانتخاب الرئاسي بل ما الذي يحدث بعد الانتخاب، سواء على صعيد تركيب الحكومة وترتيب السياسات الداخلية أو على صعيد الموقف العملي من صراع المحاور الاقليمية. والتوقعات ليست وردية، أقله على مستوى النظرة الاقليمية الى لبنان واعتباره جزءا من محور اقليمي، وبالتالي التضييق عليه اقتصاديا وسياسيا.
وما أبعدنا من تحييد لبنان عن الصراعات.