عاد الحوار بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع الى الواجهة من باب انجاز اعلان النوايا وقرب عقد اللقاء بين الرجلين. لكن ايضاً من باب التفاهم حول مقاطعة الجلسة
التشريعية
فعل الوقت فعله بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. صحيح انه لا يمكن لـ 186 يوماً من الحوار ان تختصر 27 عاماً من الانفصام والعداء بين ابرز كتلتين مسيحيتين. لكن المحاورين اللذين انتهجا سياسة الصمت حيناً والاطلالة الاعلامية احياناً اخرى، نجحا بالامس في قطف ثمار اعلان النوايا حتى قبل صدوره رسمياً، ومن دون ان يلتقي رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع.
اذ ان اللقاء السري الذي عقد قبل ايام في معراب، بين جعجع والنائب ابرهيم كنعان موفداً من عون وموفد جعجع الى الرابية ملحم الرياشي، لم يكن هدفه استكمال البحث في ورقة اعلان النوايا، بل البحث في الجلسة التشريعية التي حدد الرئيس نبيه بري جدول اعمالها، وهو أثمر اتفاقا على المقاطعة، كما على بنود « تشريع الضرورة».
بالنسبة الى كنعان والرياشي، الاتفاق السياسي هو ثمرة اعلان النوايا قبل ان يصبح لقاء عون وجعجع هو الحدث. يدرك الطرفان مدى أهمية الصورة بالنسبة الى المجتمع المسيحي، لكنهما لا يريدان الخضوع للضغط، «فمن حق الناس انتظار الصورة، ومن حقنا ألا تكون فولكلوراً. مكوّنات الصورة أصبحت موجودة، ولأول مرة منذ ثلاثين سنة يمكن القول ان ما انجز على المستوى الماروني والمسيحي يوازي في اهميته عقد اللقاء المرتقب».
لن يتأخر اللقاء، بل «هو آت آت، والصورة آتية»، وسيعقد اللقاء في صورة مفاجئة، ولن يعلن عنه مسبقاً لاسباب أمنية، وسيكون تتويجاً للحوار الجاري وليس خاتمة، وتعلن فيه ورقة النوايا رسمياً، «وسيكون مقدمة للقاء مسيحي وطني يؤسس لمستقبل افضل».
يتشعب الحديث مع كنعان والرياشي، حتى يصبح كلامهما واحداً. لعل سبب ذلك عِشرة الايام التي يعدها رياشي، واللقاءات السرية والعلنية التي يحتسبها كنعان ويحفظ تفاصيلها. وهما اللذان يعرفان تماما ان كثراً راهنوا على فشلهما وان هناك من يعتبر سلفاً ان الحوار العوني ــــ القواتي لن يوصل الى اي مكان، وان ما يريده العونيون يختلف عما يريده القواتيون.
اعلان النوايا ولقاء عون وجعجع والرئاسة، هي عناوين ثلاثة شغلت المسيحيين منذ اليوم الاول للمرحلة الجديدة في تاريخ العلاقة بين الطرفين. ومع مرور الاسابيع والاشهر، انكفأ الحديث عن الحوار الذي اعتبر تقطيعا للوقت في المرحلة الضائعة.
الانجاز الاول على طريق اعلان النوايا اثمر مقاطعة للجلسة التشريعية
وزاد من استشعار فشله ما حصل في تغريدات معايدة جعجع لعون في عيده. مرّ الصوم ومرّ الفصح واللقاء لم يعقد، وبدأ الكلام عن اعلان النوايا يتأرجح كما مواعيده وبنوده التي رست اخيراً على 16 بندا بعد دمج بندين من الورقة التي تنقّلت بين الرابية ومعراب طوال الاشهر الماضية، ليعلن كنعان والرياشي اليوم انتهاءها في شكل رسمي، بعد اكتمال التنقيحات عليها من جانب عون وجعجع.
اعلان النوايا
تتضمن الورقة، كما انجزت اخيراً، مقدمة وخاتمة. تؤكد المقدمة اهمية التنوع السياسي والديموقراطي والتنافس الايجابي حيث لا اتفاق وتثمير الاتفاق حيث هو ممكن. وأبرز عناوين اعلان النوايا «التخاطب السياسي البناء والايجابي حتى في حالات الاختلاف والتنافس، مواصفات رئيس الجمهورية بعد اعادة تقويم المرحلة السابقة من الطائف حتى اليوم، قانون الانتخاب في ضوء درس المرحلة السابقة مع قراءة معمقة ميثاقية ودستورية، اللامركزية الادارية الموسعة، الارض والهوية واستعادة الجنسية، المالية العامة ونظرة الطرفين للسياسة المالية ومحكمة الجرائم المالية، علاقة لبنان بمحيطه وعلاقاته الدولية، المسألة السيادية والنظرة الى الجيش ودوره واهميته، التوطين والنزوح السوري، وتشجيع ثقافة الاحتكام الى القانون وعدم اللجوء الى العنف لقلب موازين القوى»، اضافة الى بنود اخرى انتهى العمل عليها ومتروكة للاعلان الرسمي.
على اهمية اعلان النوايا، الا ان ما انجز حتى الآن بالنسبة الى كنعان والرياشي له تأثير مباشر في الساحة المسيحية، ان لجهة وقف الحملات الاعلامية وسحب الدعاوى او حتى بالنسبة الى الاجواء التي بدأت تنعكس ايجابا في حضور سياسيي الطرفين احتفالات اخصام الامس، وفي الاوساط الطلابية الجامعية.
يقول كنعان: «لقد انجز الكثير حتى الان، والمناخ الذي صار موجوداً سمح بالتوصل الى مواقف مشتركة والتنسيق في قضايا سياسية كما حصل بالنسبة الى الجلسة التشريعية». اما الرياشي فيكتفي بالقول «الوقت ليس مهما في حد ذاته بل الحكمة في حسن استثماره، فوقت الزرع قد مضى ووقت الحصاد قد حان، واعلان النوايا مدخل الى مرحلة مسيحية ووطنية جديدة».
كلما اقترب موعد اللقاء بين عون وجعجع زادت الرهانات على فشله، وعلى امكان دخول اطراف متضررة منه على خط عرقلته. وفي وقت لا يزال الحوار بين المستقبل وحزب الله يدور في حلقة التهدئة السنية ــــ الشيعية، يعتبر التيار والقوات انهما حققا انجازاً وخرقاً اساسياً، رغم ان لديهما مشروعين سياسيين مختلفين، وأنهما مرتبطان بتحالفات وبتفاهمات سياسية مع اطراف اخرى تتطلع على ما يدور في هذا الحوار. يقول الرياشي «ان الطرفين يضعان حلفاءهما في اجواء ما انجز حتى الآن، فنحن لسنا جزيرة منفصلة عن الواقع».
مقاطعة الجلسة التشريعية
الانجاز الاول على طريق اعلان النوايا اثمر مقاطعة للجلسة التشريعية، ويقول كنعان «بحثنا في لقاء معراب في ملفات سياسية عدة، ومنها البنود التي يجب ان يشملها تشريع الضرورة كقانون الانتخاب واستعادة الجنسية. والمقاربة السياسية المشتركة جاءت ترجمة عملية لاجواء الحوار والتنسيق بيننا».
يعوّل الطرفان على ما استجدّ اخيرا من تقارب سياسي لبناء مشهد جديد يزيد من عوامل الثقة بين التيار والقوات، فلا يستعيدان تجارب حديثة كادت تصل الى تفاهم قبل أن تحبط، كالاتفاق على مشروع اللقاء الارثوذكسي.
ليس سهلا الاتفاق على بنود تشريع الضرورة. ويخطئ الرئيس نبيه بري حين يعتبر ان المزيدات المسيحية هي التي جعلت التيار يقف الى جانب القوات والكتائب. ما حصل ليس مزيدات بل تفاهم وتنسيق مواقف بين الطرفين وقناعات مشتركة ستترجم عمليا من الآن وصاعدا عبر لقاءت تنسيقية ومواقف مشتركة من عدد من القضايا السياسية. فحتى الآن اتفق على هاتين النقطتين ومسائل تتعلق بالموازنة العامة، والقضايا الاخرى الاساسية المطروحة للبحث حاليا، متروكة للوقت ولمزيد من النقاشات. علما ان اللقاءات بين الطرفين بدأت تتوسع وتنضم اليها شخصيات نيابية وقيادية من القوات ومن التيار، تبحث في شكل مفصل بعض القضايا والقوانين المطروحة للنقاش داخل مجلس النواب وخارجه.