كلام في السياسة |
من الداخلين التياري والقواتي إلى خارجهما، وصولاً إلى كل المعنيين بالحدث ومراقبيه، يُنظر إلى اللقاء المرتقب بين عون وجعجع، بمنظارين متقابلين، بين التفاؤل وعكسه. خصوصاً لجهة الأسباب التي ستقود إليه، وبالتالي النتائج التي قد يخرج بها.
الصيغة المتفائلة لقراءة الخطوة، تضعها في سياق أكبر منها. فتربطها أولاً بالحوار الحريري ــ الحزبللاهي. ومن ثم تربط الحوارين معاً بسياسة سعودية مستجدة. يقول المتفائلون إن الحريري الابن، هو في النهاية ابن البلاطات السعودية.
ثم إن حزب الله هو أبرز اللاعبين الفاعلين في الفضاء السعودي التنافسي، من القطيف إلى المنامة، ومن عسير إلى عدن، ومن بغداد إلى دمشق، وصولاً إلى الطريق الجديدة. وبالتالي لا يمكن أن يحصل حوار بين ابن الرياض و»منافسها الأول»، بمعزل عنها أو أن يجري في غفلة عن إرادتها وقرارها. هي السعودية إذن صاحبة القرار في الحوار المذكور. ثم يتابع المتفائلون، بأن سمير جعجع نفسه ليس بعيداً عن هذا المناخ. يكفي دليلاً أن مبادرته تجاه الرابية جاءت بعد زيارته السعودية ولقاءاته البارزة هناك، وأن أولى «لوائحه» الاستطلاعية إلى عون، جاءت متزامنة مع سلسلة أحاديث صحفية له، اخترعت تصنيفاً جديداً للسعودية على أنها «مملكة كميل شمعون وبشير الجميل»!
بناءً على ذلك، يرى المتفائلون أن الحوارين هما مجرد إشارتين سعوديتين. تفسيرهما أن الرياض باتت في أجواء العلاقة الأميركية الإيرانية المستجدة، وأنها قد وُضعت في مناخات ما يسمى الاتفاق غير المعلن بين واشنطن وطهران. وأن الحليف الأميركي قد أبلغها بأن تأجيل 24 تشرين الثاني الماضي لم يكن غير إعلان سري لروزنامة تنفيذ فعلية لللاتفاق المبرم. أما مهلة الأشهر الستة المعطاة، فهي لتذليل العقد كافة، وحلحلة كل الملفات الإقليمية العالقة، بما يؤدي إلى صفقة كاملة منتصف عام 2015. ويتابع المتفائلون، بأنه استناداً إلى تلك القراءة، قرر مالكو السعودية التحرك بسرعة، وتحصيل ما يمكن تحصيله. وهم أدركوا أن أسعار أسهمهم السياسية ستكون إلى انخفاض، مع تقدم مناخ التسوية النووية. وما يمكنهم تحصيله بسعر ما اليوم، لن يكونوا قادرين على تحقيقه غداً. وفي طليعة الملفات التي تعطيها الرياض أولوية على سواها، الملف اللبناني. وبالتالي صار ملحاً بالنسبة إلى العائلة النفطية، ترتيب الوضع في بيروت بأسرع وقت. وأفضل ترتيب لهذا الوضع بما يرضي الحسابات السعودية، هو إعادة الحريري الابن رئيساً للحكومة. وهو الأمر الذي بات الجميع مقتنعاً بأن له مدخلين إلزاميين: اتفاق مع حسن نصرالله، ومعادلة ميشال عون رئيساً للجمهورية. يختم المتفائلون نظريتهم، بأنه لكل تلك الأسباب، أوعز السعوديون بإطلاق الحوارين، بين الحريري وحزب الله، وبين جعجع وعون. وللأسباب نفسها، ستكون للحوارين المذكورين نتائج إيجابية ملموسة لبنانياً.
يسخر المتشائمون في المقابل من تلك القراءة. ويصفونها بالطفولية البريئة والساذجة. يجزمون أولاً بأن لا شيء جدي محسوم على الصعيد الأميركي الإيراني. ويفضلون نظرية استمرار سياسة عض الأصابع على المستوى الدولي، بما قد يؤزم كل الملفات الساخنة، من أوكرانيا إلى سوريا وما بينهما وحولهما. وبالتالي يميل المتشائمون إلى نفي أي احتمال لحلحلة بين واشنطن وطهران، واستبعاد أي انعكاسات لها سعودياً أو لبنانياً. وفي هذا المناخ من التوتر المطرد ومن الكباش الأميركي المستمر مع روسيا أولاً ومع كل المحور المناوئ لها ثانياً، يرجح المتشائمون أن تكون الرياض قد باتت في مناخ معاكس، أو على الأقل في أجواء تشير إلى إمكان تسديد ضربة جزئية في لبنان، هدفها المسيحيون ممثلين برأس ميشال عون. أي أن تكون حسابات الرياض تشير إلى أنها ستكون قادرة في الأشهر القليلة المقبلة على شطب عون من اللعبة الرئاسية، وعلى توجيه ضربة كبيرة إلى المكون المسيحي في المعادلة اللبنانية، بما يشكل عملية 13 تشرين سياسية. وإن التحضيرات لها قد بدأت، من الدور المصري مروراً بالحراك الفرنسي، وصولاً إلى دوائر أميركية وكنسية ونظريات أحصنة طروادة ومشاريع ضحايا وأبطال موهومين.
وفي هذا السياق، يرى المتشائمون أن الرياض قد أوعزت إلى الحريري بالتحاور مع حزب الله، لمجرد التخفيف من ردود الفعل حيال عملية كهذه. كما حركت مبادرة جعجع حيال الرابية، كي لا يتحول ميشال عون مرة جديدة شهيداً سياسياً، كما حصل بعد 13 تشرين العسكري سنة 1990. وكي لا يؤدي «استشهاده» هذا إلى اكتساحه مرة أخرى، شارعاً مسيحياً قادراً على تحويل الهزيمة الفورية انتصاراً تدريجياً. يذهب جعجع إلى عون، ويحاول إقناعه بحراجة اللحظة، وبمقتضيات «المصلحة المسيحية»، وبالطابع الملحّ والعاجل للاستحقاقات، حتى إذا رفض الأخير وسُددت الضربة إليه، يكون مسؤولاً عنها وعن نتائجها!
قد تكشف تطورات الأيام المقبلة صحة قراءة من الاثنتين. وقد يتبين خطأهما معاً. لكن لقاء عون وجعجع يظل ضرورياً ومصيرياً. على الأقل لإقفال آخر «مقبرة» لا تزال مفتوحة من زمن الحرب والاحتلالات. ويظل حاجة قصوى وملحة، ولو لإقرار نتيجة واحدة، عنوانها إلغاء العنف من الحياة السياسية. لا العنف الدموي وحسب، بل العنف البنيوي والكلامي والشخصي والحقدي والرفضي للناس والأسماء والوجوه والصفات. أياً كانت حسابات الخارج، تظل هذه وحدها قضية وطنية كبرى تستحق حصول اللقاء.