تُجمِع الأوساط السياسيّة على التأكيد أنّ شهر آذار الجاري سيكون مفصليّاً في ما يشهده من محطّات وأحداث كبرى محلّياً وإقليميّاً ودوليّاً، إذ إنّ التصعيد سيبلغ ذروته في مواقف جميع الأفرقاء المعنيّين بهذه الأحداث والمحطّات، الساعين بدَأبٍ لتحقيق ما يَصبون إليه من مصالح هنا وهناك وهنالك.
وتدلّ التحرّكات والاتّصالات الجارية على المستويات المحلّية والإقليميّة والدوليّة إلى أنّ كلّ العواصم المعنيّة بدأت تُوَطّن نفسَها على التعايش مع احتمالَي حُصول الاتّفاق النووي بين إيران والدول الغربيّة أو عدم حصوله، سواءٌ سَقَط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على رأس اليَمين الإسرائيليّ في انتخابات الكنيست المقرّرة في 17 الجاري أو فاز، وهو كانَ العامل ولا يزال عاملاً في كُلّ الاتّجاهات منعاً لحصول اتّفاق نووي في أيّ شكل من الأشكال.
ويعتقد سياسيّ مُطّلع أنّ المؤشّرات الخارجيّة تدلّ حتّى الآن إلى أنّ الاتّفاق على الملفّ النووي الإيراني سيحصل بينَ إيران والدول الغربيّة، ولكن في حال عدم حصوله لِعلّةٍ ما، فإنّ «البصرة لن تخرب» لأنّ المرحلة التي بلغَتها العلاقة بين الولايات المتحدة الاميركية والجمهورية الإسلامية الايرانية لا عودة فيها لأيّ منهما الى الوراء، وحتى لو انهارت هذه العلاقة فإنّها لن تتجاوز جَدلية المصالح بين المحورَين اللذين تمثّلانهما، ولن تذهب الامور الى حدود الصدام الكبير، فإمّا سيكون هناك اتّفاق بين الجانبين، وإمّا سيكون البديل اتفاقاً على منظومة تعايُشٍ مع الواقع الناشئ من عدم الاتفاق، خصوصاً إذا نجحَ الحلف العالمي مرّة أُخرى في تطيير الاتفاق النووي مثلما نجح في تطييره في تشرين الاوّل من العام الماضي.
لكنّ هذا السياسي يؤكّد أنّ المعطيات الماثلة تشجّع على التفاؤل في حصول الاتّفاق بين إيران والدول الغربية، إلّا أنّ هذا الاتفاق سيحتاج إلى جرأة الانتقال من اللحظة الراهنة إلى لحظة جديدة.
ويَعتقد السياسي إيّاه أنّ نتنياهو يعاني أزمةً فعلية داخلَ اليمين الإسرائيلي الذي يقوده، فهذا اليمين منقسم بين يمين دينيّ وآخر قوميّ، ولكنّ نتنياهو يسعى بقوّة للفوز في الانتخابات، اعتقاداً منه أنّ مثلَ هذا الفوزه يُمكّنه من إعادة اللحمة إلى اليمين المنقسم.
ولكنّ العارفين في الشأن الإسرائيلي يعتقدون أنّ هذا اليمين التاريخي الذي رمَّم مناحيم بيغين صفوفَه في أيّامه، يمرّ الآن في امتحان صعب سيؤدّي إلى تشَقّقه وتفَسّخِه، سواءٌ فاز نتنياهو في الانتخابات أم فشلَ. عِلماً أنّ الإدارة الاميركية لن يضيرَها أبداً فشلُ نتنياهو إذا حصل، لأنّه تحَدّاها في عقر دارها مُحدِثاً شرخاً بين الحزبَين الديموقراطي الحاكم والجمهوري المعارض الذي يتمتّع بالغالبية في الكونغرس الأميركي.
وفي انتظار ما ستُسفِر عنه المفاوضات النووية الجارية في سويسرا وخارجَها، وتحديداً في جولاتها التي ستتكثّف بين 17 آذار الجاري و31 منه، فإنّ الأزمة اللبنانية مستمرّة في المراوحة مكانَها، فيما يأمل الأفرقاء السياسيون في أن تكون في مقدّم الاهتمامات لدى العواصم الإقليمية والدولية بعد توقيع الاتّفاق بين إيران والدوَل الغربية.
ولكن، في انتظار ذلك الاتّفاق، فإنّ محاولات تجري داخلياً لحسمِ ملف الاستحقاق الرئاسي على قاعدة أنّ مشهد هذا الاستحقاق ما زال مقفلاً خارجياً ولم يحصل بعد أيّ تطوّر يساعد على إنجازه.
وفي هذا الإطار يعتقد سياسيّون أنّ لقاء الأمس بين رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون الذي أكّد بَعده أنّ «تقدّماً بطيئاً» حصلَ في الاستحقاق الرئاسي، يشير إلى أنّ هذا الملف حصلَ فيه «تقدّم»، خصوصاً أنّ عون يُعلن عن هذا «التقدّم البطيء» بعد لقاءٍ مع برّي رئيس السلطة التشريعية التي ستنتخِب الرئيسَ العتيد.
ويقول هؤلاء السياسيّون إنّ حيوية تلاقي الرجُلين بين اللقاء الأخير بينهما ولقائهما في الأمس هي حيوية ملفِتة، لأنّها تسقط على رتابة المشهد الداخلي كمَن يرمي حجَراً في المياه الراكدة.
فهذا اللقاء لا يمكن إلّا أن يكون مشبَعاً بالاعتبارات السياسية، وبالتالي بما أنّ العلاقة بينهما كان يسودها دائماً كثيرٌ من التجاذب، فإنّ عودة الزيارات العونية الودّية إلى برّي، خصوصاً بعد زيارة عون الأخيرة للرئيس سعد الحريري في «بيت الوسط»، تُلقي على شخصية عون حيويةً ملفتة في المشهد الرئاسي، عِلماً أنّ هذا المشهد في أزمته التي يعانيها ما يزال مقفَلاً خارجياً، ولم يحصل أيّ تطوّر إيجابي في شأنه.
أمّا داخلياً فإنّ بعض السياسيين يؤكّدون أنّ أيّ محاولة لحَسمِه يجب أن تكون عبر عون، لأنّ الأخير بواقعِه ومعطياته يُشكّل المعبَر إلى اعتماد أيّ خيار رئاسي، سواءٌ أكان هو شخصياً أم أيّ خيار آخر.
لكنْ ثمَّة سياسيّون آخرون يقولون إنّ المعطيات الداخلية والخارجية قد تخَطّت ترشيحَ عون إلى البحث في خيارات أُخرى، خصوصاً أنّه في واقعِه الراهن لا يستطيع أن ينالَ الأكثرية النيابية المطلقة، فتيّار «المستقبل» لا يبدو أنّه سيؤيّد ترشيحَه، إذاً تدلّ كلّ المؤشّرات إلى أنّ هذا التيار ملتزمٌ موقفَ حلفائه غير المؤيّد، وليس في وارد التفرّد بموقف مغاير.