إقفال بيوت سياسية أو أبواب التنوع والتعدد؟
لقاء عون ـ جعجع بين حذر المستقلين وتحفظ «نخبويين»
ارتاحت أوساط «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» لتلاقي زعيمي الحزبين ميشال عون وسمير جعجع. استند هؤلاء الى ان الرأي العام المسيحي، بنسبة عالية جدا بحسب إحصاءاتهم، يرغب في التقارب والمصالحة بينهما. والأرجح ان تلك الإحصاءات دقيقة. فالناس عموما، والمسيحيون في هذه الحالة، يميلون الى كل ما يعتقدون انه قد يبعد عنهم أشباح الفتنة والتقاتل ونبش القبور. ويتمنون ضمنا ان يعيد لهم هذا التلاقي دورا يفترضون فقدانه.
مع ذلك، اذا تم تجاوز مضمون اللقاء والنيات المعلنة والمضمرة وما حققه أبعد من الصورة، فإن أسئلة جدية تُطرح، ليس أبسطها ماذا كانت نتائج هذا اللقاء بعد نحو اسبوع على حصوله؟ من رحب به؟ من تحفظ؟ ومن نظر اليه بعين الريبة ولماذا؟
في العلن لم يبد أحد تحفظات على اللقاء. حلفاء الطرفين، كما خصومهم، حتى لو لم يكونوا من المرحبين، فإنهم احتفظوا بانتقاداتهم، كما بملاحظاتهم. ففي بلد تتداخل فيه الطوائف بالاحزاب بالسياسة، لا أحد يصر على معرفة على ماذا التقى حزبان متوازيان لكل منهما خياراته المتناقضة وتحالفاته الصلبة المتواجهة.
يكثر المجتهدون في التحليل حول «تفعيل الدور المسيحي. إعادة التوازن والثقل. تصحيح الخلل في مؤسسات الدولة»… وصولا ربما الى توظيف حاجب أو تثبيت مياوم، خصوصا ان قضايا «ثانوية» كانتخاب رئيس أو التوافق على قانون انتخاب، والأرجح مفهوم السيادة، أو التحالفات في الداخل والخارج… لم تُناقش بعد.
قد لا يجد بعضهم في ذلك ما هو غير مفهوم. لكن هل هذه حقيقة هواجس الملتقين والمتلقين، أي ما اتفقوا على تسميته «المجتمع المسيحي»؟
تنقسم الآراء في الأوساط السياسية المسيحية حول هذا التلاقي وان كان السياسيون المسيحيون عموما، من خارج الأحزاب، لا يستسيغونه، وبعضهم يتخوف منه.. كل لأسبابه.
ففي الوسط المسيحي، على عكس سائر الطوائف، لم تنغلق الحركة السياسية، والطائفية ضمنا، على حزب قوي ورديف له أضعف منه، يتظلله. فالمنافسة جدية ومتقاربة بين «التيار» و«القوات». و«حزب الكتائب» ليس قوة هامشية. وحتى «الأحرار» يحاول، على ضعفه، حجز مساحة له. أما المستقلون فلهم حيثياتهم التي لا يمكن تجاهلها في مناطقهم. من بطرس حرب الى ميشال فرعون وروبير غانم وصولا الى ميشال معوض ومنصور البون وفريد الخازن، إضافة الى عشرات اللقاءات والتجمعات التي تضم شخصيات سياسية تلتقي في فيء الأديار حينا، أو في إطار أكاديمي في أحيان اخرى.
هؤلاء يراقبون بحذر تقارب الحزبين اللذين لم يتورعا عن الاستعراض بأنهما لا يحتاجان الى أي استفتاء ليتأكدا ويؤكدا انهما «الاكبر والاكثر تمثيلا». فتاريخ الحزبين، وحتى حاضرهما، لا يشجع كثيرا في موضوع قبول التمايزات. يتذكر هؤلاء كيف توترت العلاقة بين حرب و «القوات اللبنانية» غداة اعتراض حرب على قانون «اللقاء الارثوذكسي». وتكر سبحة الملاحظات، كما النكات، على أداء العماد عون و «ديموقراطيته».
ينقسم الحذرون من تقارب عون – جعجع بين منطقين. الاول «نخبوي» يتخوف من «مبدأ القطيع» مع ما يعنيه من «تحديد أنماط طروحات من منطلقات طائفية، وتأطير المسيحيين في أفكار جاهــزة ومطــلقة، تخــنق الحريــة في إعادة ترميم فكر وطني». هؤلاء يطمحون الى «غنى التنوع، وتعميم التعدد في المجتمع اللبناني»، وبالتالي «يتمسحن» المسلمون بهذا المعنى، ولا «يتأسلم» المسيحيون.
أما المنطق الآخر فعلى خلفيات سياسية وحسابات انتخابية ضيقة. يخاف بعض المستقلين والزعماء المناطقيين ان «تُقفل بيوتهم» نتيجة التلاقي بين «التيار» و «القوات»، وان تنتقل «سياسة المحادل» الى الوسط المسيحي. قلة منهم يعتبرون ان «هذا التوافق الشكلي بين الحزبين ولقاء عون – جعجع، يخلق رد فعل معاكسا. فالناس الذين اختبروا الاثنين يريدون منهم ان يلتقوا تخفيفا لأعباء انقساماتهم. أما عمليا فإنهم مع تنوع الخيارات السياسية، ومع قيادات تنشغل بهمومهم اليومية وتتفهمها وتعمل على حلها، تماما كما تناقش القضايا السياسية بانفتاح واعتدال وحرص حقيقي على مصالح المسيحيين وليس وفق مصالح حزبية أو عائلية ضيقة».
ولا شك بأن للحديث تتمة.. ان تمت تتمة الحديث «القواتي – العوني».