IMLebanon

لقاء هولاند – الحريري  بلوَرَ المسار الرئاسي اللبناني

أحياناً كثيرة يقول اللبنانيّ إنَّه من نِعَم السياسة اللبنانية أنَّ هناك سياسيين لهم القدرة والطاقة على الحركة والتحرك بالسرعة المطلوبة والسلاسة المتوافرة، بحيث تُشكِّل حركتهم مردوداً وطنياً للبنان قبل أيِّ شيءٍ آخر.

هذا النهج خطَّه الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فكانت لقاءاته بالرئيس الفرنسي أو بامبراطور اليابان أو برئيس الوزراء البريطاني شبه دورية، ما وضع الدبلوماسية اللبنانية عند أرفع مستوياتها.

ومن النهج الذي أخذه الزعيم الشاب سعد الحريري عن والده الشهيد، هذه الميزة الدبلوماسية في التقاء رؤساء الدول، بما يخدم المصلحة اللبنانية العليا، ويندرجُ في هذا الإطار اللقاء الأخير بين الرئيس الحريري والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، وهو يكتسبُ أهميةً قصوى في هذا الظرف بالذات، الذي تمرُّ فيه منطقة الشرق الأوسط بأقسى أنواع الحروب والتحولات. ويبدو لبنان في قلب هذه الحروب والتحولات، كما أنَّ فرنسا معنيَّة بالكامل بكل هذه التحولات، خصوصاً أنَّها في طليعة دول التحالف ضدَّ الإرهاب في طبعته الجديدد المتمثِّلة بتنظيم داعش وجبهة النصرة.

في مثل هذه اللقاءات الثنائية الرفيعة تكون، حقيقةً، المجالس بالأمانات، لأنَّها تتناول شؤوناً حسَّاسة ودقيقةً وخطيرة، وما يخرج منها إلى الإعلام ليس سوى النذر اليسير.

فمن المؤشِّرات اللافتة، مشاركة رئيس هيئة الأركان الخاصة الفرنسي الجنرال بينوا بوغا في الإجتماع، ما يعني أنَّ مسألة تسليح الجيش اللبناني كانت نقطة بارزة في اللقاء.

هذا الملف تحدَّث عنه الرئيس الحريري فكشف أنَّه بالنسبة لهبة المليار دولار السعودية، هناك الكثير من الأمور التي أُنجزت وسيصار إلى الإعلان عنها خلال أسبوع أو عشرة أيام، وهناك معدات ستبدأ بالوصول إلى لبنان في أسرع وقتٍ ممكن.

مشاركة وزير الخارجية لوران فابيوس ومستشار الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط إيمانويل بون، تكشف أنَّ المحادثات تطرَّقت إلى الحرب الدائرة في المنطقة وإلى الملفات العالقة، وفي مقدمها ملف إنتخاب رئيس الجمهورية في لبنان.

بالنسبة إلى الملف الأول، أي ملف الحرب، فإنَّ الرئيس الحريري كشف بعد اللقاء مع هولاند أنَّ هذا التطرف الذي نراه في العالم العربي والإسلامي ليس هو الإسلام، فلا يُمثِّلني ولا يُمثِّل مليار وأربعمئة مليون مسلم في العالم. هؤلاء إرهابيون لا يعرفون ديناً.

هذا الموقف أثلج قلوب المعتدلين في الغرب وفي لبنان والعالم العربي، فالتحالف ليس مسألة قوةٍ عسكرية فقط، بل هو قوة فكرية أيضاً ركيزتها الإعتدال وهو ما يحمل لواءه الرئيس سعد الحريري.

أما بالنسبة إلى الشق الأبرز وهو معادلة الإنتخابات الرئاسية والنيابية، فإنَّ الرئيس الحريري فَصَل بين المسارَيْن من خلال خارطة الطريق التالية:

نحن ماضون في سياستنا بأنَّ إنتخاب رئيس جمهورية يأتي في المرتبة الأولى، وبعد ذلك تحصل الإنتخابات البرلمانية، أما إذا أصرّ الطرف الآخر على إجراء الإنتخابات النيابية فليجروها من دون تيار المستقبل.

هل من تحدٍّ أكبر من هذا التحدِّي؟

الرئيس الحريري ينطلق في كلامه من كامل الثقة بالنفس، فموضوع رئاسة الجمهورية تمَّ التطرق إليه في اللقاء مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، من باب مناقشة تأثيرات الدول الفاعلة فيه. وفي هذا المجال عبَّر الرئيس هولاند عن وعده بأنَّه سيبذل قصارى جهده لدى الدول المعنية المؤثرة لتعطيل الألغام الداخلية اللبنانية، التي من شأنها إطالة أمَد الفراغ.

هذه الخلاصات ستتمُّ بلورتها في لقاء الإثنين المقبل بين الرئيس الحريري والبطريرك الماروني الكاردينال الراعي في روما، الذي تحدد على إثر الإتصال الهاتفي بينهما قبيل لقاء الإليزيه.

بهذا المعنى تبدو الحركة الخارجية متقدِّمة على الداخلية، فلننتظر النتائج.