ليست أيام الرئيس السوري السابق بشّار الأسد منذ ذلك الآذار الهدّار من العام 2011 سوى سلسلة متواصلة من المرارات التي لا تليق إلاّ به وبأمثاله.. لكن يوم أمس تحديداً كان استثنائياً في مرارته، وحدّة أوجاعه ولذعاته الحنظلية، خصوصاً وخصوصاً جداً، أنه جاء بعد أيام على موقعة الراموسة المحروسة، الخطيرة في التكتيك والكبيرة في الاستراتيجيا، والصغيرة في المكان والواسعة في الجغرافيا السياسية!
.. مجرد جلوس رجب طيب أردوغان إلى جانب فلاديمير بوتين في سان بطرسبورغ، هو مشهد مرير وقاس مؤلم في ذاته بالنسبة إلى رئيس سوريا السابق. ومجرد إشهار القول من قبل الرئيسين الحاليين لتركيا وروسيا، بالرغبة في تمتين العلاقات بينهما وبين بلديهما وطي الصفحة المحروقة من كتاب تلك العلاقات، التي سبّبها إسقاط الطائرة الروسية في تشرين الثاني الماضي.. مجرد الإفصاح عن ذلك التوجه العام، على الرغم من أنه أمر كان مرتقباً ومتوقعاً سلفاً، كافٍ في ذاته لإصابة الأسد بمغص معوي حاد! وبضيق في التنفس! وبوجع في الرأس! وبزيادة كبيرة في معدلات الهلوسة المألوفة عنه، والتي جعلته وتجعله أحد أندر الهواة والقاصرين الذين امتلكوا سلطات أكبر منهم فاعتمدوها لتدمير حالهم، وبلدهم، وإنتاج كارثة، تعجز أفحل العقول «المتآمرة» في هذه الدنيا، عن إنتاجها بمثل هذه الرشاقة والإعجاز!
ليس قليلاً مشهد سان بطرسبورغ ولا مقدّماته، سواء تلك المتعلقة بالعلاقات بين البلدين، أو بتلك الخاصة بالشأن الداخلي التركي، أو بكونه يبدو «تتويجاً» لموقعة الراموسة المحروسة في حلب: يأتي ليؤكد درساً لم يستوعبه الأسد ولا كل الطقم السياسي والإعلامي المحيط به. وهو أن العلاقات بين الدول عموماً، وبين روسيا وتركيا خصوصاً، محكومة بمصالح متشابكة في كل مجال ممكن، ولا يمكن كسرها أو تعريضها لمخاطر ذات طابع استراتيجي أو شامل، من أجل طرف ثالث، خصوصاً إذا كان ذلك الطرف هو الأسد وبقايا سلطته!
وكان واضحاً، حتى في ذروة التوتر الذي أعقب إسقاط الطائرة الروسية، أن هذا القانون يسري بحذافيره على أنقرة وموسكو، على الرغم من «الإجراءات» التي اتخذها بوتين رداً على ذلك، والتي (للمفارقة!) أصابت بأذاها وصخبها ونيرانها الشعب السوري وقواه المعارضة، وليس تركيا ولا الأتراك!
مقدّمات العودة من ذلك التوتر تتالت حتى وصلت إلى ذروتها ليلة الخامس عشر من تموز الماضي.. حيث كانت المحاولة الانقلابية الفاشلة مناسبة لكسر الحاجز الشخصي بين بوتين وأردوغان، بالتوازي مع وضع موسكو مصالحها في الاستقرار التركي وليس في مناورات الانقلاب وأهله..
وثالثة المكوّنات المرّة لمشهد بطرسبورغ بالنسبة إلى رئيس سوريا السابق، هي في كونه يأتي بعد أيام على موقعة الراموسة التي يُقال من جملة الأقوال عنها. أن «قاعدة حميميم» الجوية الروسية كانت «نائمة» خلال معاركها!! والتي يعرف الأسد (افتراضاً!) مثلما يعرف حماته ورعاته الإيرانيون، أن تداعياتها أكبر من مساحتها، وأن تأثيراتها واصلة حُكماً إلى جنيف.. عندما تنضج ظروف جنيف!
لا «الحرب» الروسية التركية اندلعت بل العكس! ولا محاولة الانقلاب التركية نجحت في إطاحة أردوغان بل العكس! ولا محاصرة حلب اكتملت بل العكس! وفوق ذلك كله، لقاء في بطرسبورغ؟! وأي يوم هذا؟!