في العرض المسرحيّ الرابع هذا الشهر، السبت الماضي، اعتمد المخرج تقنية الـ Zoom out بدل الـ Zoom In التي استخدمها في العروض السابقة. ألبس رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بزّة كحلية أكبر بمقاسين أو ثلاثة (عند الكتف خصوصاً) من مقاسه الحقيقي، وأجلسه في الوسط، طالباً من شركة «دليفري» إسناد الكراسي على جانبيه بشخصيات من تلك التي تنقلها الشركة من مؤتمر إلى آخر، ومن «جبهة» إلى «لقاء» فـ«إعلان».ونتيجة تصريحها الأخير المستفزّ للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، أو ربما بسبب كرم الضيافة، آثر المخرج ألا يُجلس النائبة ستريدا جعجع إلى جانب «الحكيم» مستبدلاً إياها بسيدة أثارت حيرة كثيرين ممن تساءلوا «وين شايفين هالوجه؟»، قبل أن «يكتشفوا» أنها الوزيرة السابقة أليس شبطيني، وأن تصدّرها إلى جانب «الحكيم» لم يكن إلا لأنها حضرت ممثلة لتيار عريض يزخر بالطاقات والقدرات، يُعرف بـ«لقاء الجمهورية»، ويرأسه رئيس سابق للجمهورية يدعى ميشال سليمان.
والأخير كان حضوره ليغني اللقاء بالتأكيد، ويزيد إلى خفّته وزناً ما، ولا سيما إذا ما نبّه طلاب الجامعات المنتفضين حول العالم إلى أن ما يرفعونه من هتافات وشعارات يسمّى «لغة خشبية»، غير أنه لسبب ما استكثر على جعجع أن يحضر شخصياً ويلقي بـ«ثقله» في اللقاء، بما يحفظ للأخير ماء وجهه في هذه الأيام العصيبة. والرئيس أمين الجميل، أيضاً، آثر قضاء عطلة نهاية الأسبوع مع أسرته على أن يسمع جعجعة بلا طحين. فيما ارتأى النائب سامي الجميل إرسال وزير السياحة السابق إيلي ماروني الذي يلعب دور ضيف الشرف في احتفالات ملكات وملوك الجمال وما يشبهها.
زعيم المختارة وليد جنبلاط لم يكتفِ بعدم إرسال من يمثّله على أيّ مستوى، كما يفعل في مناسبات أخرى، بل ذهب إلى الطلب من «أصدقاء معراب» ممّن كانوا ينوون المشاركة التزام منازلهم. ووفق مقولة «لكل مقام مقال»، أوفد النائب نعمة افرام نائباً يُدعى جميل عبود لتمثيله، وكذلك فعل رئيس «حركة الاستقلال» النائب ميشال معوض الذي أرسل هو الآخر من يمثّله على مستوى لم يلحظه أحد من المشاركين والمنظّمين.
وإذا كان النواب السابقون أحمد فتفت وأنطوان أندراوس ومصطفى علوش وفارس سعيد قد كبّدوا أنفسهم عناء إصدار بيان اعتذار عن عدم المشاركة، لم يشارك الرئيس فؤاد السنيورة في اللقاء، ولم يعلّق من قريب أو بعيد. أما رجل الأعمال أنطون الصحناوي فلم يكتف بعدم إرسال أيٍّ من النواب الذين يدورون في فلكه، بل شمل الحظر أيضاً الإعلاميين المقرّبين منه وممّن يدورون في فلك معراب. فيما الغياب الأبرز على مستوى ما يوصف بالمعارضة كان لقوى 17 تشرين ممثّلة بتجمع النواب التغييريين، اللهمّ باستثناء «التغييري القح» وضاح الصادق.
هكذا، في ظل غياب مدوٍّ للمعارضة عن لقاء المعارضة، عمل المخرج على ملء الكراسي بمشاعل تتقّد ذكاءً وشجاعةً وشخصيات ترشح زيتاً، فأحاط زعيم لقاء «نتاتيف المعارضة»، بشبطيني وأشرف ريفي، وبالصادق وفؤاد مخزومي، وبـ«شعلة» كميل دوري كميل شمعون الذي شكا على الهواء من أن «حزب الله مش قارينا»، والنائب ميشال ضاهر (وتعريفه: مستقل، عضو سابق في تكتل التغيير والإصلاح حين كان في السلطة، مشارك حالي في لقاءات معراب)، وصولاً إلى «شعلة» القضاء والإصلاح بيتر جرمانوس الذي حلّ محلّ وزير العدل السابق إبراهيم نجّار والنائب الراحل إدمون نعيم، فيما حلّ طوني بولس محلّ الراحل سمير فرنجية كمفكّر 14 آذار الجديد، في أوضح صورة عن ما بعد بعد الدرك الذي بلغه هذا الفريق السياسي. كذلك اضطرّ المخرج إلى ملء الكراسي الشاغرة بأشخاص مجهولي الهوية، تبيّن أن بينهم نواباً، ما سمح للمشاركين بالتعرّف على بعضهم البعض لملء الوقت. أما النائب جورج عدوان فتكبّد مع أحمد عياش وعلي حمادة تشكيل لجنة لصياغة بيان بدأ الصادق بتلاوته قبل أن تنتهي اللجنة من كتابته.
بعد الحريري وجنبلاط وأمين الجميل أحاط جعجع نفسه بشبطيني وريفي ومخزومي والصادق
في ظل الفراغ في المضمون، كان جعجع يتقن إلى ما قبل شهر لعبة الصورة: عوّض طوال السنوات الماضية فراغ المضمون بغنى الشكل، لكنه منذ شهر يخسر الصورة، مقدماً للمرة الأولى ربما منذ نشأة القوات شكلاً يناسب المضمون. في أوقات طبيعية ما كان «الحكيم» ليرتضي ترؤس لقاء علني بنصاب كهذا، وكان سيقول إنها جلسة تشاورية ويحدّد موعداً وهمياً للقاء آخر. لكن القلق والإرباك اللذين يسودان معراب أخيراً غير مسبوقين، إلى درجة أنها ما إن تخرج من مطبّ حتى تقع في آخر. لم يتوّج «قائد معراب» زعيماً للمعارضة حتى حين كان يُحاط في الأيام الخوالي بسعد الحريري ووليد جنبلاط وأمين الجميل وفؤاد السنيورة، فهل يُعقد له اللواء محاطاً بالشبطيني والريفي والمخزومي والصادق؟ وهذا ما يفتح الباب أمام سؤالين:
1- بعدما سمح جعجع لمسؤول أمنه بتوريطه في النزول الميداني على الأرض للتعبئة إثر مقتل باسكال سليمان، قبل أن يتبيّن أنها جريمة جنائية لا علاقة لها بالسياسة، وبعدما بدا أن هناك من ورّطه بالهجوم على النازحين السوريين رغم تداعيات ذلك عليه بين حلفائه ومموّليه الخارجيين، هل هناك من ورّطه في دعسة ناقصة جديدة بمؤتمر فاشل شكلاً ومضموناً؟
2 – بعد جريمة قتل سليمان، دخلت السفارة الأميركية مباشرة على خط «تنفيس» جعجع، سواء عبر قيادة الجيش أو بكركي أو تلفزيون المرّ أو المحلّلين المقرّبين لنسف روايته بالكامل. ومع غياب العدد الأكبر من أصدقاء واشنطن والرياض عن اللقاء، هل هذه رسالة سياسية أميركية – سعودية لجعجع بعد الرسالة العسكرية – الكنسية – الإعلامية إثر مقتل سليمان؟ وإذا كان كذلك، لماذا هذا «التأنيب العلني» للرجل؟
المؤكد أن لقاء معراب لم يقدّم شيئاً في المضمون. أما في الشكل فقد قدم الكثير:
في لحظة المصالحة السنية – الشيعية – الدرزية، و«التنسيق» الأميركي – الإيراني، والتفاهم السعودي – السوري، والتخبط الإسرائيلي في الفشل، وفي وقت يرى فيه جعجع جبران باسيل، الذي كان يفترض أنه قضى عليه قبل عامين، يجول في جزين وعين التينة وزحلة والعاقورة وطرابلس، ويمضي نهاراً كاملاً مع 11 سفيراً عربياً في شوارع البترون، لم يجد هو من يجمعهم حوله غير المذكورين أعلاه وشلّة من نوابه الذين لا يعرف هو نفسه أسماءهم.
ملاحظة:
لا يجوز التشكيك بزعامة وضّاح الصادق الذي يحتفل جمهور القوات بمشاركته في لقاء معراب، لكن ينبغي وضع هذا الجمهور في أجواء الأرقام التي سجّلتها الانتخابات النيابية الأخيرة حين نال الصادق 3760 صوتاً في دائرة بيروت الثانية، مقابل 14931 صوتاً للائحة المشاريع (الأحباش)، و26363 صوتاً لمرشح حزب الله في الدائرة نفسها النائب أمين شري، أي سبعة أضعاف فقط ما ناله الصادق في الدائرة نفسها. وعليه، لا يجوز لهذا الجمهور الاستخفاف بأيّ لقاء يدعى إليه نائبا المشاريع أو النواب فيصل كرامي وحسن مراد ومحمد يحيى لأن تمثيل كل من هؤلاء يتجاوز بأضعاف تمثيل من أحاطوا بقائد القوات السبت الماضي.