Site icon IMLebanon

مفاوضات على صفيح «الصواريخ».. فرصة جدّية أم ضائعة؟

 

حمل لقاء الرئيس نبيه بري والموفد الأميركي عاموس هوكشتاين موجة من الإيجابية والتفاؤل، أرخت بظلالها على الضفاف اللبنانية، كونها الفرصة الأخيرة في فترة الإدارة الأميركية الحالية، لإنهاء عاصفة 23 أيلول التي ضربت لبنان وخلّفت مسلسلاً مفتوحاً من المآسي. وأي انتكاسة يمكن ان تحصل سترحّل الملف إلى العام الجديد. فهل يُشكّل «لقاء الساعتين» في عين التينة ركيزة الحل المرتقب لوقف إطلاق النار والعودة الى منطوق القرار 1701؟ أم أنّ بصيص التفاؤل في بيروت سيتبدّد في «تل أبيب»؟

مجرد حضور هوكشتاين إلى بيروت بعد تعميم أخبار متناقضة حول الزيارة، إضافة إلى استمرار اللقاء لأكثر من ساعة ونصف الساعة، ومناقشة تفاصيل في مسودة الحل، تحمل مؤشرات إيجابية.

هذا في الشكل، أما في المضمون، فتشير مصادر عين التينة لـ«الجمهورية»، إلى أنّ الأجواء إيجابية لجهة تضييق الفجوة بين الشروط الإسرائيلية وبين السقف اللبناني المقبول، في نقطتين أساسيتين: تشكيل اللجنة الدولية للإشراف على تطبيق القرار 1701، ويجري العمل على إيجاد آلية معينة لحل هذه النقطة، في اعتبار أنّ إخراج «حزب الله» إلى ما بعد الليطاني كان معمولاً به منذ العام 2006 إلى ما قبل فتح «جبهة الإسناد». أما العقدة المحورية للحل فتتعلق بـ«حق الطرفين إسرائيل و»حزب الله» في الدفاع عن النفس»، علماً أنّ هذا الحق معمول به على أرض الواقع من دون إدراجه في القرار 1701.

 

هاتان النقطتان، إضافة إلى نقاط أخرى تحتاج إلى مزيد من النقاش في جوانبها التقنية، وهذا ما تتمّ متابعته مع هوكشتاين للتوصل إلى تفاهمات حولها قبل توجّهه إلى «تل أبيب». ما يعني أنّ زيارة الأخير لإسرائيل لم تُحسم ومرتبطة بإنجاز تفاهم مع لبنان حول كافة البنود وعلى التفاصيل التقنية، ما يتلاقى مع ما نقلته «هيئة البث الإسرائيلية» عن مسؤولين إسرائيليين قولهم: «لم نتلقَ تأكيداً بوصول هوكشتاين إلى إسرائيل، وهذا يعتمد على التطورات في لبنان».

مصادر سياسية رجّحت الكفة الإيجابية على السلبية استناداً الى جملة مؤشرات:

ـ حاجة إدارة الديموقراطيين إلى وقف الحرب في غزة ولبنان لقطف إنجاز يعوّض خسارتهم الانتخابات الرئاسية ويُسجّل للرئيس جو بايدن قبل نهاية ولايته.

ـ السقف الزمني الذي وضعه الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب لإغلاق ملف حربي غزة ولبنان قبل تنصيبه رسمياً مطلع السنة الجديدة، وفقاً لرؤيته الجديدة التي أعلنها في خطاب الفوز.. ووفق معلومات جهات ديبلوماسية غربية، فإنّ جولة هوكشتاين مدعومة من ترامب أيضاً. وتشير الجهات لـ«الجمهورية»، إلى أنّ وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، وخلال المفاوضات التي أجراها في الولايات المتحدة، التقى ترامب وفريق عمله وتمّ التفاهم على الخطوط العريضة للمرحلة المقبلة. ويُشار في هذا الصدد إلى دور أميركي ما في فضح ملفات الفساد والتزوير في مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.

ـ تؤشر المعطيات الآتية من إسرائيل بنحو لا يرقى اليه الشك، إلى حالة إحباط داخل مستوى قادة الجيش الإسرائيلي ورفض استمرار الحرب التي أصبحت بلا أفق، مع عجز عن تحقيق الأهداف، لا سيما تسجيل اختراقات برية واضحة في اتجاه مجرى نهر الليطاني، مع استمرار إطلاق «حزب الله» الكثيف للصواريخ وصولاً إلى صاروخ «فاتح 110» على «تل أبيب» ليل الاثنين الماضي، ما عمّق الفجوة بين المستويين السياسي والعسكري في كيفية مقاربة الحرب وإنهائها بأقل الخسائر، بعد تحولها إلى حالة استنزاف مع كلفة مرتفعة وعجز عن تحقيق الأهداف الاستراتيجية للحرب، ولو أنّها حققت أهدافاً تكتيكية، علاوة على ارتفاع حدّة الخلافات بين الحكومة والمعارضة الإسرائيلية، والتي ظهرت جلياً بوقائع جلسة لجنة الأمن في الكنيست الإسرائيلي.

هل تدفع هذه القراءة الواقعية للتطورات نتنياهو الى وقف الحرب؟

وفق مطلعين، فإنّ العقدة المحورية، هي مطالبة الحكومة الإسرائيلية بضمانات لمنع النشاط العسكري لـ«حزب الله» وإعادة تسليح نفسه من إيران عبر سوريا، خصوصاً في منطقة جنوب الليطاني، والعودة بعد سنوات إلى تكرار فتح الجبهة أو تنفيذ عملية في شمال فلسطين مشابهة لـ7 تشرين في غلاف غزة، وتهديد أمن إسرائيل، ما لن تسمح به إسرائيل استناداً لقرار مجلس الحرب في جلسة 11 تشرين العام الماضي.

ويعتبر نتنياهو وبدعم أميركي واضح، أنّه قطع شوطاً في تقليص قوة «حزب الله»، وخصوصاً اغتيال السيد حسن نصرالله وقيادات الصف الأول، ولمؤسساته وبيئته الشعبية الحاضنة، وبالتالي فرصة ثمينة لا تعوّض لاستكمال القضاء على الحزب كبوابة عبور إلى الشرق الأوسط الجديد، إضافة إلى أنّ إسرائيل لن تستطيع القيام بحرب كل خمس أو عشر سنوات، وتريد حلاً نهائياً على جبهة الشمال يضمن أمنها لعشرين عاماً بالحدّ الأدنى، وتوحي تصريحات نتنياهو الأخيرة أنّه لن يوقف الحرب من دون أثمان كبرى.

 

ويُدرك نتنياهو أنّه مطوّق بسلاسل من الملفات.. ففي اليوم الذي يوقّع الاتفاق على إنهاء الحرب، ستُشكّل لجنة تحقيق شبيهة بلجنة «فينو غراد» غداة حرب تموز، لتحديد المسؤوليات منذ 7 تشرين حتى حرب لبنان، وأنّه قد ينفرط عقد الحكومة ويصبح منزوع الحصانة السياسية والقضائية، وهو المطلوب للتحقيق أمام القضاء الإسرائيلي وللقضاء الدولي أيضاً. ولذلك قد لا يكون لنتنياهو مصلحة بإنهاء الحرب حالياً، كونها قلعة الحصانة الأخيرة، هذا إذا افترضنا أنّ الولايات المتحدة بإدارتها الحالية والمقبلة، تريد فعلاً وقف الحرب وإخراج إسرائيل من الحرب منكسرة ومن دون مكاسب وإنجازات أمنية وسياسية واضحة.

وهناك معضلة أخرى تواجه نتنياهو، وهي أنّ تقديم تنازلات لإنهاء الحرب مع لبنان، سيكبر كرة النار الإسرائيلية وستدفعه الى إبرام صفقة تبادل الأسرى مع حركة «حماس» لإنهاء الحرب في غزة، إسوة بلبنان، ما قد يكون صعباً عليه إنهاء حربين وتقديم تنازلات كبرى من دون ضمانات فعلية تتعلق بمستقبله السياسي ومصير إسرائيل بعد الحرب! ما يدفعه للاحتفاظ بورقة ثمينة باستمرار إحدى الحربين لبنان أو غزة، ولديه ما يكفي من الوقت للمناورة حتى مطلع السنة الجديدة، ثم يقدّم هدية وقف الحرب إلى ترامب مقابل ضمانات حقيقية.

قد نكون أمام فرصة حقيقية تفتح على مخاضٍ تفاوضي يتأرجح على صفيح الميدان، ينتهي باتفاق في الفترة الممتدة بين نهاية الشهر الجاري ونهاية العام الجاري، أو أمام فرصة ضائعة تفتح على مسار جديد من المواجهات العسكرية يمتد الى أجل غير مسمّى. ما يجعل الأسبوع الجاري حاسماً لجهة تحديد أي الاتجاهات ستسلك الحرب في لبنان.