اجتماع الدول الخمس المعنيّة بالشأن اللبناني في نيويورك هو الثالث المعلن، بعد اجتماع 6 شباط الماضي في باريس، ثم اجتماع الدوحة في 17 تموز الماضي. على الأقل هذه هي الاجتماعات المعلنة، إثنان منها على المستوى الوزاري وواحد على مستوى الموظفين، إذ تشير أوساط دبلوماسية إلى اجتماع أو اثنين سبق أن عُقدا على مستوى أجهزة المخابرات، من دون إعلان ذلك.
ليس مألوفاً أن يلتقي ممثلو دول بهذه الأهمية على الصعيدين الدولي والإقليمي، مثل الولايات المتحدة الأميركية، فرنسا، المملكة العربية السعودية، مصر وقطر، من دون أن يتمكّنوا من إحراز تقدم في معالجة أزمة كتلك التي تتعلق بملء الشغور الرئاسي في لبنان. ورغم كلّ ما قيل وسيقال عن وحدة موقف هذه الدول حيال المأزق الرئاسي، فإنّ ما يعيب نجاحها في تحقيق إنجاز ما، حسب بعض الأوساط، يمكن تلخيصه بنقطتين رئيسيتين:
1 – اختلاف الدول الخمس في مقاربة الأزمة في لبنان وتعارض نظرة مسؤوليها إلى وسائل تذليل العقبات من أمام ملء الشغور الرئاسي.
2 – إنّ تحقيق إنجاز في انتخاب الرئيس الجديد من قبل الدول الخمس يحتاج إلى إجماع بينها. والإجماع يعني بين ما يعنيه، تقييد بعضها مسبقاً بمواقف الدول الأخرى بحيث لا تنفرد وجهة نظر بداخلها باتجاه معين، تعارضه دولة أو دول أخرى…
3 – منذ تأسيس الخماسية في باريس في شباط طُرح السؤال حول مدى قدرتها على أن تحقق تقدماً طالما أنّها لا تضم الدولة التي تغطي عملية تعطيل انتخاب الرئيس، أي إيران، التي يتطلب الإفراج عن الرئاسة اللبنانية التوافق معها على ذلك، وحتى على اسم الرئيس العتيد، حتى يقبل «حزب الله» به، أو تقبل الدول الأخرى بالإسم الذي يفضله «الحزب»، وتدعمه طهران في خياراته.
صحيح أنّ بيان اجتماع الدوحة الخماسي تبنى في عباراته المنتقاة، مواصفات الرئيس التي تطرحها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية كما جاءت في البيان الصادر عن وزيري خارجيتيهما مع وزير خارجية فرنسا آنذاك جان إيف لودريان، في أيلول 2022 في نيويورك، لكن هذا لا يعني أنّ التباينات قد انتفت أو تمّت معالجتها.
من التباينات المستمرة في تحرك الدول الخمس تشير قيادات لبنانية متصلة بمسؤولي الدول الخمس إلى الآتي:
– بيان الدوحة نصّ على «أن ينتخب لبنان رئيساً للبلاد يجسد النزاهة ويوحد الأمة ويضع مصالح البلاد في المقام الأول، ويعطي الأولوية لرفاه مواطنيه ويشكل ائتلافاً واسعاً وشاملاً لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الأساسية، لا سيما تلك التي يوصي بها صندوق النقد الدولي». قيل في حينها إنّ هذه المواصفات صيغت بهذا الأسلوب من أجل السعي إلى انتخاب رئيس خارج الاصطفافات، ومن أجل البحث عن اسم غير سليمان فرنجية وجهاد أزعور، بعد اختبار جلسة 14 حزيران الانتخابية. وأنّ هذا التوجه جرى اعتماده بناء لطلب واشنطن والرياض (وتأييد القاهرة والدوحة) لأنهما لا تحبذان خيار رئيس تيار «المردة» الذي مالت إليه باريس. لكن الجانب الفرنسي أبقى على خيار فرنجية قائماً، وإن كان فتح الباب على خيارات أخرى، حتى أثناء زيارة لودريان الأخيرة، الثالثة، كموفد رئاسي. ولم يخفِ مسؤولون فرنسيون أمام الجانب السعودي وبعض السياسيين اللبنانيين، قبيل وصول لودريان إلى بيروت، استمرار خيار فرنجية من بين خيارات أخرى. هكذا فهم أيضاً بعض رموز «الممانعة» دعوة لودريان الفرقاء إلى التوصل لتسوية بعدما عجز فرنجية وأزعور عن الحصول على الأصوات المطلوبة في جلسة 14 حزيران الانتخابية. ورأى هؤلاء أنّ «التسوية» قد تكون الاتفاق على فرنجية.
– كما نص بيان الدوحة على مناقشة «خيارات محددة في ما يتعلق باتخاذ إجراءات ضد أولئك الذين يعرقلون إحراز تقدم في هذا المجال». قيل في حينها إنّ المقصود هو عقوبات في حق بعض الرموز. لكن مصادر الدول المعنية لم تتوانَ عن تسريب عدم تحبيذها أي عقوبات، ما يعني أنّ هذا النص إنشائي بلا مفاعيل.
– قيل إنّ التحرك القطري بموازاة حركة لودريان، يهدف إلى الإفادة من قدرة الدوحة على التحدث إلى الفرقاء اللبنانيين كافة، وإنّ واشنطن والرياض لا تعارضان ذلك طالما أنّها ليست مع خيار فرنجية، وإنّها تستطيع التحدث مع طهران التي لعبت وتستمر في لعب دور معها في ميادين أخرى مثل تبادل الأسرى والإفراج عن المليارات الستة. لكن الدور القطري مرهون بقابلية الجانب الإيراني للتجاوب مع توجهات واشنطن والرياض اللتين لم تفصحا عمن تفضلان. ألا يكفي كل ذلك للاستنتاج بأنّ طبخة الرئاسة لم تنضج بعد؟