المسؤولون في الجمهورية الإسلامية الإيرانية يؤكدون دائماً أنها تريد حواراً مع المملكة العربية السعودية ينهي الخلافات القائمة، ويؤدي إلى تعاون لحل الأزمات الإقليمية والمشكلات الثنائية المتفاقمة. لكنهم في الوقت نفسه يمارسون نقداً شديداً لسياساتها الحالية في المنطقة، ويعبّرون عن انزعاج من مواقفها المتناقضة مع المواقف والسياسات الإيرانية، وتحوُّلها صراعاً سياسياً مباشراً وعسكرياً بالواسطة. ولعل أبرز نقد هو الذي يشير رسمياً إلى “توافق” في السياسة بين المملكة وإسرائيل التي يفترض أنها العدو الأول للعرب والمسلمين والدافع إلى توحيد مواقفهم.
أما في اللقاءات غير المخصص مضمونها للنشر فإن ما يسمعه زائر طهران لا يبشِّر بانفراج علاقتها مع الرياض أو بالإعداد لحوار معها أو بتوقُّع تجاوبها مع أي دعوة للحوار. ذلك أن السعودية، قبل بدء “حربها على اليمن وشعبه” كما يصفها الإيرانيون وبعده، وقبل كارثة مصرع عدد كبير من الحجّاج المسلمين جرّاء تدافع في مِنَى قبل أسابيع قليلة، كانت ترفض دائماً كل دعوات الحوار رغم التبادل المحدود للزيارات بين البلدين. وكان الرفض غير مباشر، وقد ظهر في وضوح في إحدى الجولات الخليجية الأخيرة لوزير الخارجية محمد جواد ظريف. إذ أبدى استعداداً لزيارة المملكة للبحث في كل المستجدات إقليمياً ودولياً، وأبرزها الاتفاق النووي. لكنه عدل فجأة عن الزيارة. وأفادت يومها معلومات، تأكَّدتُ منها في زيارتي الأخيرة لطهران، أنه طلب مقابلة الملك عبدالله بن عبد العزيز، فلم يُستجَب له، وطُلِب منه الاكتفاء بلقاء وزير خارجيته الأمير سعود الفيصل. حتى كارثة مِنَى لم تدفع المسؤولين السعوديين إلى التجاوب مع دعوة إيران إلى تأليف لجنة تحقيق لمعرفة ما حصل وأسبابه. ولو حصل تجاوب ما لكان ربما فتح الطريق إلى حوار.
وفي أيام الملك الراحل عبدالله كان مسؤول في “حزب الله” اللبناني يعمل للحصول على تأشيرة حج إلى الأماكن المقدسة في السعودية. فاتصل به مسؤول ديبلوماسي أو قنصلي ورحب به قائلاً: “اعتبر نفسك من ضيوف الديوان الملكي”. حاول الرفض لكن الإصرار “الودي” دفعه إلى القبول. وهناك دار حديث بينه وبين نائب رئيس الديوان في ركن هادئ داخل “مجلسٍ” كبير قال فيه الأخير “إن السعودية تريد إن ترطِّب العلاقة مع إيران. وأن فيها فريقين الملك و”البنادرة”. والملك يريد هذا الأمر”. طبعاً التتمة الطبيعية لهذه الخطوة كانت زيارة نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم والنائب والوزير محمد فنيش الى السعودية بعد بحث بين “الحزب” وطهران. لكن شيئاً إيجابياً لم يطلع منها.
ما هي أسباب الرفض السعودي؟ سؤال يوجهه المسؤولون الإيرانيون لكل زائر متابع للأوضاع في المنطقة. كان جوابي من شقين أو ثلاثة. الأول أن “البنادرة” لم يتحركوا في اتجاه موسكو وبخطوة غير مدروسة لاجتذابها إلى صف المملكة في وجه إيران في المنطقة إلاّ بعد موافقة الملك عبدالله. وأن سعود الفيصل كان واضحاً جداً في سياسته المعادية لإيران في سوريا ولطموحاتها الإقليمية. وهو ليس من “البنادرة”. والثاني عدم اقتناع السعودية وخصوصاً قبل “الاتفاق النووي” بأن إيران صادقة في رغبتها الحوارية. فسياستها في المنطقة لا تنبئ بذلك. وهو أيضاً اقتناع السعودية بأن إيران تحاول أن تضمَّها إلى الأوراق التي تجمعها من أجل تحصيل مكاسب أكبر من أميركا. وذلك يخسِّرها رعاية أميركا وحمايتها. أما الشق الثالث من الجواب فهو أن الرياض لن تتحاور مع طهران قبل اتفاقها النووي مع واشنطن والإقليمي الذي يحدِّد أحجام الدول الكبرى في المنطقة وأدوارها. وكل ذلك لا يزال صالحاً رغم استمرار محاولة السعودية مع مليكها الجديد إقناع روسيا بالتخلّي عن دور الطرف في الصراع السوري – السوري والسعودي – الإيراني. وما يؤكد ذلك معلومات موثوق بها عن آخر زيارة لولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لموسكو. وهي تفيد أن المباحثات كانت عاصفة لأنه أراد من الرئيس بوتين أن يتدخَّل في اليمن (وسيطاً). لكن تحقيق ذلك بدا مستحيلاً بعد انخراط الأخير عسكرياً في سوريا مباشرة. وبدا أن دافع المملكة إلى ذلك كان ربما محاولة ضمان الدور الأول في اليمن الغارق في الحروب في مقابل التخلِّي عن الدور الأول في سوريا.
ماذا عن إيران ومصر وسوريا؟