مبادرة رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع باتجاه رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» (الجنرال السابق) النائب ميشال عون، لافتة… هي خطوة أولى في مسيرة الألف ميل…
ليس المهم من بادر باتجاه الآخر ومن تلقف المبادرة… بقدر ما ان هذه الخطوة شكلت «نقلة نوعية» في العلاقات بين الرجلين الأبرز في «القيادات المارونية»، وهي تأتي بعد قطيعة لنحو ثلاثين سنة، وفي ظل ظروف دولية – اقليمية – عربية – لبنانية لم يعد من الممكن ادارة الظهر لها وتجاهل مخاطرها على الخريطة الجيو – سياسية والديموغرافية للمشرق العربي تحديداً، خصوصاً أكثر على من يُصنفون أنهم «أقليات» سواء دينية (طائفية – مذهبية) او إتنية وعرقية، او ما شابه، خصوصاً بعد سقوط وترنح الأنظمة التي وضعت في خانة «الأنظمة القومية» في العراق وفي سوريا، والتي كانت، بشكل او بآخر، تشكل حاضنة، على خلفية المواطنة التي تساوي بين الجميع في الحقوق والواجبات…
ثلاثة عقود من القطيعة والجفاء، بل «العداوة» والصراعات التي لم تخل من الدماء، بين الجنرال عون وقائد «القوات» جعجع، وكلاهما دفعا فيها أثمانا موزعة بين السجن و«التهجير القسري»… وصلت ليلة الثاني من حزيران الجاري بداية تحول وانعطاف، قد يكون مفصلياً، كما قد يشكل بداية لمرحلة جديدة في «اللعبة السياسية» في لبنان… لكن وعلى ما دلت التجارب، فليس من المؤكد ان يكون ما بعد الثاني من حزيران خلاف ما قبله او متمايزاً عما قبله، فالعبرة هي في اداء الأيام التالية، خصوصاً ان «غير المرتاحين» لهذا التقارب، وتحديداً في البيئة المارونية، بدأوا يلوحون بتحفظاتهم… وخصوصاً أكثر اذا ما استسلم الرجلان من جديد الى «غواية» او الى «ترحيب»، «لعبة الأمم» او الى تصور امكانية «الغاء الآخر» مع التطورات الناشئة في المحيط الاقليمي حيث ستكون التداعيات كارثية…
في محل ما أخطأ الجنرال عون، وعاند وكابر…
وفي محل ما أخطأ جعجع وعاند وكابر
وفي محل آخر، كان على الرجلين ان يتحملا أخطاء حلفائهما في الداخل وفي الخارج…
ليس من شك في ان خطوة جعجع باتجاه الجنرال عون، خطوة جريئة، وان لم تكن مفاجئة إلا في توقيتها… وهي تدل على حس أمني بالغ الجودة، ونباهة سياسية تمثلت في المواقف التي جرى الاعلان عنها في بيان «اعلان النيات» وهي في مكان تشكل ترجمة لقناعات «سيد الرابية» وفي مكان آخر تشكل ترجمة لقناعة «سيد معراب»… أعطى جعجع للقاء أبعاداً روحية – انسانية بقدر ما أعطاها البعد السياسي، يكفي ان يقف وراء الجنرال مستمعا ويضع يده على كتفه، ليلحظ الجميع كيف سيكون استثمار هذه اللحظة في الآتي من الأيام.
لن يكون الجنرال عون خاسراً، وهو يعرف كما يعرف جعجع ان ما آلت اليه أوضاع المسيحيين عموماً، على مساحة المشرق العربي، بما فيها فلسطين، لا يطمئن… والضخ السياسي والاعلامي في هذا الاتجاه ليس عفوياً، ويتسلل منه كل صاحب مصلحة، تمهيداً لتحقيق «الحلم اليهودي» في إقامة دويلات طائفية مذهبية، اتنية – عرقية متنابذة ومتناحرة تبرر إقامة «الدولة القومية لليهود» خالية من أي آخر، ويكون لـ«إسرائيل» فيها اليد الطولى والقادرة على تسيير الامور والتحكم بها…
ما يصيب المسيحيين في المشرق العربي، يصيب المحمديين على تنوع مذاهبهم… ومن المبكر القول ان اعادة رسم خريطة المكونات الطائفية والمذهبية من جديد قد يوفر شبكة أمان كافية… بل على العكس من ذلك تماماً… كما من المبكر القول ان لقاء عون – جعجع، قد يكون أسس للمسيحيين في لبنان ما يطمئنهم كفاية الى حقوقهم والى وجودهم، والى حاضرهم ومستقبلهم، خارج «الدولة المدنية» الجامعة المانعة.
ومن المبكر القول أيضاً ان «اعلان النيات» الذي صدر عن الفريقين، بعد جهد شاق استمر لستة أشهر، قد يشق الطريق نحو الأهداف التي يتطلع اليها الرجلان الابرز في «المارونية السياسية»… ولا بد من الأخذ بعين الاعتبار ان غير فريق في الواقع اللبناني، وجد في الانقسامات المسيحية – المسيحية ضالته وعوناً له في العديد من القضايا والأمور، خصوصاً أمام ما يسمى بـ«المجتمع الدولي» و«الغرب».
عون وجعجع أمام امتحان الضرورة… واذا كان من المبكر الحديث عن واجب دفن الماضي… فإن الماضي على «علاته» يجب ان يبقى حاضراً بكامل تفاصيله لتجنب تكرار الوقوع في «الأخطاء المميتة»… فالقلق الذي يعيشه المسيحيون قلق مشفوع ومبرر، لكن المحمديين، على اختلاف توزعاتهم المذهبية، يعيشون القلق عينه، بل الأكثر خطورة… وقد كشفت «القمة الروحية – الاسلامية» التي عقدت في دار الفتوى أول من أمس جوانب بالغة الخطورة، في قراءة موضوعية، عن دور إسرائيلي في كل ما يحصل، على قاعدة ان «إسرائيل» هي المستفيد الوحيد من ذلك…
المسيحيون، كما المحمديون باتوا على المحك أمام مواجهات مصيرية غير مضمونة الابعاد والنتائج كفاية… و«لعبة الأمم» ماضية في صياغة السيناريوات لمشهد تلو آخر، وتلعب على التناقضات وتستنفر الغرائز…
لقاء معراب بالغ الأهمية اذا أحسنت إدارته وأبعد عن «المحاصصة» وما يمكن ان يحصل هذا وما يمكن ان يخسر ذاك… والعمل على «الدولة المدنية» أقرب طريق لتحقيق الأمن والأمان والاستقرار، لا العودة الى صيغ «الانعزال» والشحن باتجاه «الدويلات» تحت أي صيغة من الصيغ… فدور المسيحيين، كما المحمديين أساس، ولا مبرر لوجود أحد من دون الآخر…».