يحق للزعيم الزغرتاوي الماروني سليمان فرنجيه أن يطمح إلى رئاسة الجمهورية اللبنانية. فهو مستوفٍ للشروط الدستورية والميثاقية. مسيحيته أصيلة رغم اختلافه وعائلته مع السياسة التي انتهجتها غالبية الزعامات والأحزاب المسيحية. ومارونيته عريقة. ومواقفه السياسية العامة لا تنفصل عن مصلحته السياسية مثل أعداء له ومنافسين على الساحة المسيحية. لكنه، مثل هؤلاء كلهم، قد ينجح في المحافظة على مصلحته الخاصة ويفشل في المحافظة على المصلحة المسيحية، أولاً بسبب التناقض التنافسي بين الزعامات المارونية. وثانياً بسبب اضطراره إلى السير بسياسات حلفائه الإقليميين وحلفائهم من المسلمين اللبنانيين. ذلك أن “التحالف” بين دول و”جماعات” من دول وطوائف ومذاهب وأحزاب وظيفته الأساسية حماية مواقع الذين مع الدول، والاستفادة منهم لتنفيذ سياساتها ولخوض معاركها ولحماية مصالحها. ويحق للزعيم الزغرتاوي المسيحي نفسه أن يفتح خطوطاً مع أعدائه أو منافسيه لإقناعهم بأهليته للرئاسة وبأفضليته على “المرشحين” الآخرين. لكن الأصول تقتضي أن يتمّ ذلك بالتنسيق مع حليفيه الرئيس بشار الأسد و”حزب الله”، وخصوصاً بعدما دعا أمينه العام السيد حسن نصرالله مرتين “تيار المستقبل” وزعيمه الرئيس سعد الحريري إلى “تسوية وطنية شاملة” تعيد الروح إلى المؤسسات، وتقوّي الاستقرار الأمني والسياسي على هشاشته، وتمنع اندلاع فتنة داخلية أو حرب أهلية طائفية.
فهل قام بهذا التنسيق؟ المنطق يستبعد عدم قيامه بذلك، والمعلومات التي تؤكد هذا الأمر أو تنفيه غائبة. علماً أن السيد نصرالله قد يكون عَلِمَ بتحرك حليفه الزغرتاوي مباشرة منه أو من قريبين منه، ولم يمانع فيه رغبة في استكشاف نيّات الحريري ومن خلاله نيّات حلفائه داخل لبنان وخارجه. وعلماً أيضاً أنه ربما يكون كلّف الزعيم الدرزي الأبرز وليد جنبلاط متابعة هذا الأمر ولا سيما بعدما أبدى تأييداً لترشيح فرنجيه.
في أي حال أن الهدف من المقدمة عن المرشّح للرئاسة الأولى سليمان فرنجيه ليس الخوض تفصيلاً في معركته وحظوظه وفي محادثاته الحريرية في باريس، ولا في مواقف أنداده من الزعماء المسيحيين ومن أعضاء فاعلين في “تيار المستقبل”. بل هو التساؤل إذا كانت خطوته وترحيب الحريري بها تجاوبا مع دعوة الأمين العام لـ”حزب الله” المشار إليها أعلاه أو “قوطبة” عليها. فالأخير دعا “المستقبل” إلى حوار حول رئيس جديد للجمهورية “ينتخبه” مجلس النواب، وحول اختيار رئيس الحكومة الجديدة التي يفترض أن تبدأ معه العمل الجاد لتحسين أوضاع البلاد وتقرير تركيبتها وربما الاتفاق على أسمائها، وحول البحث الصادق والجدّي في قانون انتخاب. وردّ فعل الرئيس الحريري كان فيه شيء من التجاوب. لكن بدلاً من ترجمة ذلك ببدء بحث سريع في آلية التواصل والتحاور ومن ثم بتنفيذها اختار الحريري طريقاً غير مباشرة قد يعتبرها “الحزب” مؤشراً إلى عدم جهوزيته للبحث في تسوية موقّتة رغم وصف أمينه العام لها بـ”الشاملة”. فالشمولية لأي حل في لبنان لا تزال متعذّرة بسبب ارتباط ما يجري فيه مع أحداث المنطقة وحروبها الأهلية – المذهبية، والحروب بالوكالة التي تخوضها فيها دول المنطقة، وأخيراً الحرب المباشرة التي بدأتها روسيا في سوريا. فمن أبرز الخلافات بين 14 و8 آذار سلاح “حزب الله” وجيشه الذي صار الأقوى في البلاد بمعظم المقاييس، كما تحوَّل قوة إقليمية مهمة. ومنها أيضاً انسحاب وحداته المقاتلة من سوريا والاتفاق على استراتيجيا دفاعية تعيد قرار السلم والحرب إلى دولة لبنان (حكومته)، وتضع جيش “الحزب” تحت سيطرة الدولة أو في “كنفها”. وهي كلمة يعتبر اللبنانيون غموضها البنّاء مفيداً للتوصُّل إلى تسوية. وذلك صحيح إلى حد ما. لكن الصحيح أيضاً أنها لا توصل إلى حل نهائي.
فهل يستطيع الحريري في هذه المرحلة التاريخية والحرجة أن يقوم بالخطوات المطلوبة للتجاوب مع دعوة السيد نصرالله في رأي قريبين منه ومن حزبه؟
يعتبر هؤلاء في معرض الجواب عن السؤال المطروح أن “دعوة” الأمين العام لـ”حزب الله” دليل على معرفته العميقة بخطورة الوضع في لبنان، وعلى إدراكه أنه قد ينزلق إلى فتنة تكرِّس شلل الدولة ومؤسساتها وتدفعها إلى الموت المحتَّم. والطريقة الوحيدة لتلافي ذلك هي “التسوية الوطنية” التي تحدّث عنها ودعا إليها.
ماذا قال هؤلاء أيضاً؟