الظروف الإستثنائية تحتم تحييد الملفّات الخلافية
يتوقع أن تتبلور مسألة التضامن الحكومي خلال المرحلة المقبلة، وذلك بعد الجلسة العاصفة والتي جاءت على خلفية ملف النازحين والعلاقة مع سوريا وهذه المسألة لا زالت تنذر بخلافات داخل مجلس الوزراء وخارجه من خلال ما يجري من مناكفات وتصعيد على هذه الخلفية بين المكونات السياسية وتحديداً بين الداعمين والمقربين من النظام السوري إلى حلفائه وأصدقائه، وهذه القضية لا زالت القنبلة الموقوتة نظراً لحجم الانقسامات السائد بين المكونات السياسية المنضوية في هذه الحكومة، ولكن في المقابل ثمة معلومات عن اتصالات جرت بعيداً عن الأضواء تصب في خانة تحييد الخلافات السياسية حول المسائل الكبيرة والاستراتيجية من أجل أن تسلك الحكومة نحو معالجة الأزمات الاقتصادية والمعيشية والحياتية وتواكب وتتابع نتائج مؤتمر «سيدر» من خلال ما يقتضي ذلك من إصلاحات بنيوية، وبالتالي اعتماد سياسة النأي بالنفس وعدم الخروج عن هذا المسار لأن الحكومة أمام امتحان صعب وقاس تجاه كل اللبنانيين في مرحلة مفصلية، فلكل موقفه ورأيه من أي قضية سياسية داخلية وإقليمية إنما الظروف الاستثنائية التي يجتازها البلد تحتم على الجميع، وفق المتابعين لمسار العمل الحكومي، عدم إقحام هذه الخلافات داخل الحكومة، خوفاً من تفجيرها أو فرملة عملها وهي لا زالت في بدايتها.
وتكشف المصادر عن سلسلة محطات جرت مؤخراً من شأنها أن تساهم في تهدئة الأجواء خصوصاً حول ملف العلاقة مع سوريا إلى قضية النازحين، ولا سيما بعد زيارة وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب إلى دمشق، والتي أثارت موجة من الخلافات لا زالت ارتداداتها قائمة حتى اليوم، وفي أولى هذه المحطات التي تصب في خانة الإيجابيات زيارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط إلى بيت الوسط وتناوله العشاء إلى مائدة رئيس الحكومة سعد الحريري، بحيث تصف أجواء سياسية مطلعة هذا العشاء واللقاء بالإيجابي جداً، حيث كانت هناك مصارحة واضحة من الطرفين وبالتالي أكد جنبلاط على دعم جهود الرئيس الحريري وخصوصاً في الملفات الاقتصادية والاجتماعية وإن كانت هناك تباينات فإنه سيبقي على العلاقة الطيبة مع الحريري بمعزل عن بعض التباينات، ولا سيما في ملف الكهرباء.
وفي السياق عينه، فإن المحطة الأخرى كانت من خلال تطمينات رئيس الجمهورية العماد ميشال عون للحريري، وعبر أقنية متعددة وحتى مباشرة، بأن التنسيق بينهما سيبقى قائماً وما جرى في الجلسة الماضية إنما هو حق دستوري لرئيس الجمهورية في إبداء ملاحظاته وإعلان مواقفه من المسائل التي طرحت على طاولة مجلس الوزراء، لذلك هذا التفاهم بدوره يساهم ويساعد في تنقية الأجواء ومواصلة الحكومة عملها للانطلاق نحو الإصلاحات التي التزم بها في «سيدر» و«بروكسل» وأمام المجتمع الدولي بشكل عام.
وفي مجال آخر، فإن توجه حزب الله نحو الأمور الداخلية وبأشكال إيجابية فذلك بدوره له إنعكاساته المريحة والإيجابية على الشأن الحكومي بعيداً عن أي مشاكسات وانقسامات وخلافات لا سيما وأن حزب الله قادر على ضبط حلفائه داخل مجلس الوزراء وخارجه، خلافاً لما كان يحصل في الحكومات السابقة، وهذا ما ظهر جلياً عبر الإجراء التي اتخذ بحق النائب نواف الموسوي إلى دور وزير الصحة الإيجابي على مستوى كل المناطق اللبنانية.
من هنا، تؤشر هذه العناوين بالسير نحو ضبط الخلافات والانقسامات والشروع في إطلاق مسيرة الحكومة بأن هناك مراقبة من قبل المجتمع الدولي للحكومة ودورها والتزاماتها وما مطلوب منها من إصلاحات مع تفهم خصوصية لبنان في بعض النواحي السياسية، وعليه يرتقب أن تكون الجلسات المقبلة لمجلس الوزراء اختباراً حول التضامن الحكومي أو عدمه كذلك على خط انتاجيتها لأن لبنان يعاني أزمات صعبة لا تحتمل الترف السياسي والخلافات، وهذا ما سمعه أكثر من مرجع سياسي من قبل موفدين عرب وأجانب.