حسَمت اللقاءات التي عقَدها الرئيس سعد الحريري الخميس في الرياض مع كامل فريق عمله، التوجّه إلى الحوار، وجُمِعت بنود جدول الأعمال بعناوين تمتدّ من الاستحقاق الرئاسي بلا أسماء إلى الملف الأمني ودَرء الفتنة المذهبية، وصولاً إلى تعزيز العمل الحكومي. وستكشف الساعات المقبلة موعدَ اللقاء الأوّل في عين التينة. فكيف تمّ التوصّل إلى هذه الصيغة؟
تحدَّث زوّار العاصمة السعودية الذين واكبوا جلسات المشاورات التي عقدها الرئيس سعد الحريري وفريق عمله، الخميس الماضي، عن حسمِ التوجه الى طاولة الحوار مع «حزب الله» برعاية محَلية ورضى إقليمي يُشجّع على هذه الخطوة أيّاً كانت الظروف.
فالتطورات المقبلة على لبنان والمنطقة تفرض فتحَ قنوات الحوار بين السُنّة والشيعة وتهدئة الخطاب السياسي بضمان توفير البيئة الحاضنة لاستيعاب ردّات الفعل المتوقّعة مهما كانت صعبة وقاسية، ردّاً على ما تشهده المنطقة من أحداث دموية قد تتطوّر نحو الأسوأ في القريب العاجل.
ويعترف المراقبون أنّ كلّ الأوراق الرئاسية والحوارية والأمنية والإنتخابية فُتحت على طاولة الرياض. وطُرِحَت فوقَها كلّ المواقف والخيارات لمقارنتها بما سمعَه متعهّدو الحوار في التيار من الرئيس نبيه برّي، وما كان قد تردَّد سابقاً عندما كان النائب وليد جنبلاط متعهّداً فتحَ هذه الصفحة الجديدة بين «المستقبل» و»حزب الله».
ونتيجة المداولات المعمّقة توصّلَ المجتمعون إلى ما يمكن تسميته أولويات طاولة الحوار، فتقدّم عليها الهمّ الأمني وتهدئة الخطاب السياسي وتأجيل المواقف التصعيدية، ليتسنّى للطرفين تهدئة الخواطر متى حصل ما يُهدّد السلم الأهلي ويُؤجّج الفتنة السنّية – الشيعية، فكان تقويمٌ للمرحلة التي خَفّت فيها حدّة الخطاب السياسي إيجاباً، مع التشديد على احتفاظ التيار بالثوابت المتّصلة بدور «حزب الله» في سوريا وسلاحه في الداخل، والهجمة التي تستغلّ الوضع الإقتصادي في بعض المجتمعات لضمّ الشباب السنّي إلى «سرايا المقاومة»، كما هو حاصلٌ في صيدا وجوارها ومناطق بقاعية.
وبعد الملف الأمني، تمّ التفاهم على أن يكون البحث ممكناََ في الاستحقاق الرئاسي من دون الوصول الى ما يمكن تسميته التداول في الأسماء فقط، ولا بَتَّ بالموضوع قبل أن يعود الطرفان إلى حلفائهما.
وفي ملفٍّ أضِيفَ أخيراً إلى جدول الأعمال لتوسيع مروحة العناوين التي يمكن التفاهم عليها تعويضاً عن أخرى، لا تزال الخلافات عميقةً وسلبية للغاية. ولذلك اعتُبر إضافة ملف إداري وحكومي بالغ الأهمّية إلى جدول الأعمال تحت عنوان «حماية حكومة المصلحة الوطنية» وتزخيم العمل الإداري أمراً جامعاً. فالاستحقاقات والملفات الإدارية المفتوحة تحتاج الى التوافق المفقود وحَسم الجدل في شأنها لتسيير شؤون الناس وتلبية حاجاتهم الضرورية التي لا تتحمّل التأجيل.
وقال العارفون إنّ التفاهم ممكن على هذا الصعيد. فالجمهورية بلا رأس، والحكومة التي تدير البلاد بصلاحيات رئيس الجمهورية باتت منتدى سياسياً ومسرحاً للترَف السياسي، في ظلّ الصيغة التوافقية التي حكمَت أعمالها، وباتت عائقاً أمام البَتّ بمسائل حيوية كثيرة. فالمرحلة إستثنائية للغاية، وإدارةُ البلاد بلا رئيس للجمهورية ضربٌ من الجنون لا يمكن القبول باستمراره الى ما لا نهاية.
وفي هذا الإطار، سيُكرّس اللقاء الأوّل المرتقب بين الطرَفين ما بين عيدَي الميلاد ورأس السنة، وتحديداً يوم السبت المقبل في 27 الجاري، ما لم تؤدِّ ظروف البعض لتأجيله الى الإثنين في 29 منه، تعهّداً مزدوجاً بالتعاون في المجال الحكومي لولوج بعض الملفات الحساسة مثل ملف النفايات الصلبة والنفط في ظلّ استهلاك المهَل الفاصلة عن التراخيص العائدة لتلزيم البلوكات النفطية البحرية، وصولاً إلى وجوب اتّخاذ القرار بالتمديد لشركتَي النفايات بعد انتهاء عقدها في 17 كانون الثاني، لفترة تقنية قد تمتدّ ما بين ثلاثة وستة شهور، تمهيداً لطرح المناقصات المناطقية الخاصة بتعدّد أماكن التخزين وإعادة التصنيع والتدوير.
والأهمّ من ذلك أنّ هذا التفاهم سيفرض على الطرفين العملَ لدى حلفائهما بتسويق هذا التفاهم لإدارة المرحلة المقبلة بأقلّ الخسائر الممكنة. ولذلك طُرحَت أسئلة كثيرة عن قدرتهما على تغيير المواقف المتشنّجة للحلفاء ما لم ينالوا قسطاً من التوزيعة الحكومية والإقتصادية الجاري ترتيبُها قبل الإعلان عن إنجازات الحوار إنْ تحقّقَت.