برزت في الأسابيع الأخيرة معطيات عديدة تشير الى وجود توجهات جديدة على صعيد العلاقة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية و «حزب الله» من جهة، وقوى وحركات إسلامية سنيّة في المنطقة وعلى رأسها «الإخوان المسلمون» من جهة أخرى، وذلك في إطار البحث عن نقاط مشتركة للتوصل الى تسويات للأزمات القائمة في المنطقة ووقف الصراعات الدائرة وإعادة ترتيب البيت الإسلامي في مواجهة التحالفات التي تسعى السعودية لإقامتها في وجه ايران و «حزب الله».
وقد عقدت في هذا الإطار لقاءات حوارية عدة في أكثر من عاصمة عربية وإسلامية وأوروبية ضمّت العديد من القيادات الإسلامية من مختلف الاتجاهات، من أجل بحث الأوضاع في المنطقة وإعادة تقييم المرحلة الماضية ودراسة مستقبل الحركات الإسلامية في المرحلة المقبلة.
ففي طهران، التقى عدد من القيادات الايرانية مع شخصيات حزبية لبنانية وجرى التداول في أوضاع المنطقة العربية والإسلامية والأزمات المتفاقمة. ولاحظ عدد من المشاركين في هذه اللقاءات بروز اتجاه جديد لدى القيادة الايرانية حول الموقف من «الإخوان» يدعو الى إعادة تقييم التجربة الماضية والبحث عن أسباب الانتكاسات التي حصلت، وإعادة ترتيب العلاقة بين القوى والحركات الإسلامية لمواجهة التحالفات الجديدة في المنطقة والتي تسعى لتسعير الخلاف المذهبي وتحويل الصراعات السياسية الى صراع عربي ـ ايراني أو صراع سني ـ شيعي، وإبعاد الصراع مع العدو ودور المقاومة عن واجهة الأحداث.
وللمرة الاولى، سمع المشاركون في اللقاءات التي حصلت إدانة ايرانية واضحة لما جرى في مصر ضد «الإخوان» ودعوة الى إعادة بحث ما جرى برؤية إستراتيجية شاملة، وليس من خلال توجيه اللوم الى فريق محدد فقط.
وفي بيروت، شكّل مؤتمر الحوار العربي ـ الايراني الذي عقده «المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق»، بالتعاون مع الجامعة اللبنانية وجريدة «السفير» ومؤسسات إيرانية متنوعة، فرصة لإعادة تقييم العلاقات العربية ـ الايرانية ودور الحركات الإسلامية والموقف من السعودية، وبرزت في المؤتمر أصوات نقدية واضحة للأداء الإيراني، وكذلك للقوى والحركات الإسلامية، وتم تقديم العديد من الاقتراحات من أجل تطوير العلاقات الايرانية ـ العربية والايرانية ـ التركية على المستويات كافة.
وعلى هامش المؤتمر وفي موازاته، كانت تُعقد لقاءات إسلامية تضم قياديين من مختلف الاتجاهات لتقييم المرحلة الماضية والبحث عن آفاق جديدة للعلاقات بين ايران و «حزب الله» من جهة، وحركات «الإخوان المسلمين» من جهة أخرى. وللمرة الأولى برزت في هذه اللقاءات وجهات نظر متقاربة حول الوضع العربي والإسلامي والدور السعودي والمخاطر التي تواجهها المنطقة، ورغم استمرار الخلافات بشأن الازمة السورية وكيفية مقاربتها، فإنه كان هناك اتفاق على ضرورة البحث عن حلول سياسية للأزمة وعدم ترك الامور للقوى الدولية للتحكم في مسار الأوضاع، وأن هنــاك حاجــة لحوار مباشر تركي ـ ايراني، وكذلــك بين ايران و «حزب الله» من جهة، وقوى وحركات إسلامية من جهة أخرى، لمراجعة المرحلة الماضية ودراسة الأخطاء التي حصلت والبحث عن رؤية جديدة للاوضاع المستقبلية.
وبين لندن وإسطنبول، عقدت مؤخرا لقاءات عديدة بين قيادات إسلامية من انتماءات واتجاهات مختلفة، وجرى خلال هذه اللقاءات تقييم المرحلة الماضية الممتدة من العام 2011 وحتى اليوم، والأخطاء التي حصلت من جميع الاطراف الفاعلة، ولا سيما بعض الحركات الإسلامية.
وجرى الاتفاق على ضرورة عقــد لقاء موسع وشامل لبحث كل تلك المرحلة ودراســة كيفية تجاوز المأزق الحالي الذي يواجه الجــميع، لا سيما في سوريا واليمن والعــراق والبحــرين ومصر وليبيا، كما تم التأكيد أن المستفيــد الوحيد من هذه الصراعات هو العدو والقــوى الدولية التي عادت للتحكم بهذه الدول سواء مباشرة او غير مباشرة.
ومع ان كل هذه اللقاءات لم تنتج حتى اليوم قرارات محددة وعملية تساهم في وقف الصراعات والازمات القائمة، نظرا لتعقّد الاوضاع وتداخل العوامل المحلية والاقليمية والدولية في كل بلد، فإنها تشير الى وجود مناخ جديد بين القوى والحركات الإسلامية وكذلك بين ايران وهذه القوى وعلى رأسها «الإخوان»، والمهم أن تتم ترجمة هذه المناخات الايجابية الى قرارات عملية أو الى اتخاذ سياسات وإجراءات تساهم في إعادة ترتيب البيت الإسلامي الشامل ووقف النزيف الحاصل في دول المنطقة.