بمعزل عمّا يمكن أن تنتهي إليه اللجنة الوزارية المكلفة درس إمكان استخدام مراكز الـ «ميغاسنتر» في الانتخابات النيابية المقبلة، فإنّ إحياء البحث فيها أيقظَ مجموعة من الهواجس والمخاوف على مصيرها. فالمهلة المحددة المعطاة لها توحي بصعوبة التوافق على موقف موحد. وفي مقابل استخفاف البعض بما تحتاجه هذه المراكز من وقت لتجهيزها يستحيل في نظر آخرين قيامها. وعليه، فأيّ خيار يتقدم على الآخر؟ وما هي النتائج المتوقعة؟
عند احتساب المهل الفاصلة بين انطلاقة عمل اللجنة الوزارية المكلفة درس مراكز الاقتراع الكبرى في الانتخابات النيابية المقبلة ومرحلة التوصّل الى قرار نافذ في شأن اعتمادها من عدمه، ينبغي التوقف باهتمام بالغ امام إمكان وزارة الداخلية ومعها السلطات والاجهزة المختصة تنفيذها قبل فتح صناديق الاقتراع بما تتطلبه من إجراءات إدارية وتقنية ولوجستية وتوفير كلفتها المالية الباهظة من عدمها.
فالمهلة القصيرة التي أعطيت للجنة الوزارية التي انطلقت في عملها عصر أمس وتنتهي الخميس المقبل وضعت اعضاءها في أسوأ موقف. فهم مضطرون الى قول كلمتهم النهائية في تطبيق الآلية التي تسمح بإنشاء هذه المراكز وتأهيلها في اقل من ثلاثة أيام بهدف معلن لا تحوط به اي شكوك معلنة، ولكن قبل اقل من عشرة ايام على إقفال باب الترشيحات، واقل من شهر بثمانية ايام على سحبها والعودة عنها، وشهر إلا اربعة أيام على الموعد النهائي للإعلان عن اللوائح التي ستخوض السباق الى ساحة النجمة. فالحجة منطقية، وهي من اجل تسهيل مشاركة أبناء المناطق من مواقع سكنهم الحالية في انتخاب نوابهم في الدوائر الانتخابية البعيدة عنها، وخصوصا في الأطراف بأقل كلفة ممكنة ومن دون تعرّضهم للضغوط المحتملة نتيجة هيمنة قوى الأمر الواقع على بعض الدوائر، والامثلة كثيرة لا تحصى.
وقد فرض هذا الواقع المرغوب به من جهة والمرفوض من جهة اخرى، على اعضائها المفروزين سلفاً البحث في إمكان تنفيذ مثل هذا المشروع الكبير في اسرع وقت لوقف الجدل الذي دار حوله قبل اعوام عدة. وتحديداً منذ ان طرحت الفكرة مرفقة بتجهيز البطاقة الانتخابية المُمغنطة وأودع بالأمانة في القانون الصادر عام 2017 وأجريت على أساسه الانتخابات في دورة العام 2018 قبل تعليق العمل بها مجددا في الدورة المقبلة جرّاء التعديلات التي أُجريت الخريف الماضي على القانون عينه الى جانب تعديل وجهة انتخاب المنتشرين وإعطائهم حق المشاركة في الدوائر الـ 15 بدلاً من انشاء الدائرة 16.
وعلى هذه الخلفيات المتناقضة والمتشابكة، ظهر جلياً ان الحكومة تناست الحاجة الى ما يؤدي الى اقامة هذه المراكز وتجهيزها ومعها اصدار البطاقة الانتخابية الممغنطة سواء عن قصد او تقصير، لا فارق. فقد يكون البعض رغب في الاحتفاظ بما يسمى «مسمار جحا» في القانون ويمكن اللجوء اليه في اي لحظة ـ ولغاية ما يدور في نفس اكثر من يعقوب – لتحقيق مآرب قد يكون تعطيل الانتخابات واحد منها. وايّاً كانت الغاية مما حصل وقبل تحميل المسؤولية لمن قصّر او قام بذلك عمدا، فقد أحيا البحث في اعتماد هذه المراكز ما كان خافياً من مخاوف وهواجس على مصير الانتخابات لمجرد تحديد موعدها قبل اسبوع فقط على انتهاء ولاية مجلس النواب ليسهل تأجيلها، خصوصاً إن تعذر التفاهم في شأنها.
وإن توقّف المراقبون أمام تبرير هذه المخاوف التي تولّدت نتيجة ايقاظ البحث في «الميغاسنتر»، لا بد من التوقف امام عدد من المؤشرات الدالة إليها في الشكل والتوقيت والمضمون، وهي:
– في الشكل إنّ مجرد النظر الى تركيبة اللجنة الوزارية التي ضمت وزراء يمثلون الجهتين المعارضة للميغاسنتر والمؤيدة له مناصفة تقريباً سيحول دون التفاهم على توصية واحدة وموحدة ان بقي الجميع على مواقفه كما هو متوقع، وستعود اللجنة الى مجلس الوزراء الخميس المقبل بنوع من «اللاقرار» لاستحالة صدوره.
– أما في التوقيت، فإنّ المهل الفاصلة عن المحطات الانتخابية الحساسة، لا تسمح بكل المراحل التي تقتضيها عملية تجهيز المراكز وتأمين مستلزماتها التقنية والمعلوماتية والادارية عدا عن المالية منها والحاجة الى لجان القيد القضائية وتلك الإدارية التي تسعى وزارة الداخلية الى تشكيلها بصعوبة لإدارة الأقلام العادية المنتشرة في الدوائر الـ15 على رغم من إمكان ضَم المساعدين القضائيين الى القضاة في لجان القيد.
– أما في المضمون، فعند البحث فيه، يتجه الحديث عن النيات المبيّتة من طرح المشروع في مثل الظروف التي رافقت إحياءه وسط استغراب عدد من الأطراف التي تشكّك في نية البعض تطيير الانتخابات جرّاء اللجوء الى ما يسمّى المطالب «الاستفزازية» التي اعتقد البعض أنها طُويت في تلك الجلسة النيابية التي عدّلت ما عدّلته في ظروف تشريعية وقانونية مُلتبسة، وقد عجز المجلس الدستوري عن تصحيح القانون الذي انتهت إليه حتى في تصحيح أخطاء إدارية وقانونية ودستورية بقيت في متن مواده.
وبعد البحث في كل هذه الملاحظات، فإنّ الأنظار تتجه الى جلسة الحكومة الخميس المقبل، فإن أقرّ مشروع القانون فستعود المواجهة غير المتكافئة الى ساحة النجمة حكماً. فالتعديلات الجديدة يفترض ان يبتّ بها مجلس النواب ايضا وان بقيت المعادلة السابقة على ما هي عليه، ستستنسخ النتائج التي انتهت اليها في الخريف الماضي. فتسخيف البعض للحديث عن مهل طويلة لإحياء مشروع «الميغاسنتر» وإصراره على انه من الممكن البَت بها في أقل من شهر بعد اعطاء اسبوعين لتسجيل الراغبين في اعتماد «الميغاسنتر» على منصة إضافية واسبوع لتصحيح اللوائح وفرزها من جديد كما فرزت أصوات الناخبين في الخارج، فإنّ هناك من ينتظر هذه اللحظة ليطرح تمديداً تقنياً للمجلس النيابي يتجاوز نهاية ولايته في 21 ايار المقبل.
ولكن على من يتوقع بلوغ هذه المرحلة ان يتذكر ويحتسب خطورة تهديد نواب كتلة «المستقبل» بالاستقالة من مجلس النواب ان طرحت فكرة التمديد او التجديد التقني أو التقليدي للمجلس النيابي. وبالإضافة الى ما تتسبّب به هذه الاستقالة من شظايا تصيب ميثاقية المجلس وشرعيته فإنّ تضامن كتلتي نواب الحزب التقدمي الاشتراكي و»القوات اللبنانية» مع «المستقبل» سيفتح الأفق على أزمة جديدة يتسبب بها الفراغ غير المبرر في السلطة التشريعية بأي شكل من الأشكال.
وختاماً، وأمام هذه المعطيات كافة، ستظهر معادلة جديدة تتحدث عن «ميغا المخاوف والهواجس» نتيجة الإصرار على اعتماد «الميغاسنتر» من جهة ورفضه من جهة اخرى، فإنّ ذلك سيقود البلاد الى حال من الفراغ النيابي الذي يستجِرّ فراغا حكوميا يهدد الاستحقاق الرئاسي متى دخلت البلاد في مداره. وعليه، من سيدير تلك المرحلة ان حل الشغور في مختلف السلطات التشريعية والتنفيذية؟ وهل سنعود عندها الى معاهدة تسليم البلاد ووضعها في عهدة القادة العسكريين والامنيين لإدارتها، وهو ما شهدنا نموذجاً منه لا يُنسى إبّان الفراغ الرئاسي الذي امتد 29 شهرا في ظل حكومة حَكمت شكلاً قبل التسوية السياسية التي أنجزت العام 2016.