على بُعد شهرين من الإنتخابات العامة، أصرّ رئيس الجمهورية على اعتماد «الميغاسنتر» في الإنتخابات المُقرّرة منتصف أيّار المُقبِل.
وانقسمت الآراء حوله، منهم مَنْ اعتبر أنّ تحقيقه ممكنٌ ضمن الفترة الفاصلة. والبعض الآخر اعتبر أنّ تحقيقه يستوجب تعديلات على مواد قانون الإنتخابات رقم 44 /2017 تاريخ 17/6/2017.
ولتحديد الموقف القانوني السليم، البعيد من الاعتبارات السياسية، كان لا بُدّ من العودة إلى مواد قانون الإنتخابات رقم 44 /2017.
يظهر جليًّا، وبمراجعة مواد القانون، أن لا ذكر على الإطلاق لـ«الميغاسنتر»، أي لمراكز الإقتراع الكبيرة في نصوصه، التي تسمح للمقترع الإنتخاب في مكان سكنه، عوض الانتقال إلى مكان قَيْده.
فكان لا بُدّ من العودة إلى الأسباب الموجبة المُرفقة بالقانون. والمقصود بالأسباب الموجبة، أي الأهداف التي توخّاها المشترع من هذا التشريع.
وتُعتبر الأسباب الموجبة دستورًا، جزءًا لا يتجزّأ من القانون، يلجأ إليها القاضي الدستوري في أي مُراجعة، بِغَرَض إستكشاف نيّة المشترع، حتى يتمكّن من بناء اقتناعه وقراره.
وإضافةً إلى ذلك، يُصار إلى اللجوء إلى محاضر جلسات إقرار القانون، والمناقشات والملاحظات. كلّ ذلك بهدف الوقوف عند نيّة المشترع حين شرّع وسَنّ القانون.
وبالعودة إلى الأسباب الموجبة لقانون الإنتخابات الرقم 44 /2017، يتبيّن جليًّا، أنّه وفي الفقرة الأخيرة من الأسباب الموجبة، تظهّرت نية المشترع لجهة تمكين الناخب من الإقتراع في مكان سكنه…كذا… لكن النّص ربط ذلك بالبطاقة الإلكترونية. فجاء النّص حرفيًّا، على الشكل التالي:
«… فتح القانون الباب أمام اعتماد وسائل التصويت والعّد والفرز واحتساب الأصوات إلكترونيًا لتسهيل عملية التصويت، وتمكين الناخب من الإقتراع في مكان سكنه عبر اعتماد البطاقة الإلكترونية».
والمقصود بالبطاقة الإلكترونية، البطاقة الممغنطة، المنصوص عنها في المادة /84/ من قانون الإنتخابات رقم 44 /2017. وبالتالي، ربط المشترع بين تمكين الناخب من الإقتراع في مكان سكنه وبين تفعيل البطاقة الإلكترونية الممغنطة. واشترط صراحةً أن يُجاز للناخب الإقتراع في مكان سكنه، عبر اعتماد البطاقة الإلكترونية حصرًا.
ولما كان من الثابت، أنّ المشترع وبمقتضى القانون الرقم 8 /2021 علّق العمل مؤقّتًا، واستثنائيًا ولمرّة واحدة. بأحكام المادة /84/ من قانون الإِنتخابات (المتعلّقة بالبطاقة الإلكترونية). إضافةً إلى سلّة من المواد الأُخرى، لِدورة إنتخابات عام 2022 حصرًا.
يُصبِح البحث في إحداث «الميغاسنتر» في إنتخابات الربيع المُقبل غير ممكن، وغير جائز، وغير مُنتج أصلاً. لأنّ المشترع ربط إحداث «الميغاسنتر» بالبطاقة الإلكترونية. وطالما البطاقة الإلكترونية معلّق العمل بها، يُصبح «الميغاسنتر» مؤجّلاً حُكمًا، أقلّه لانتخابات عام 2026 على أقلّ تقدير.
مع الإشارة والتأكيد على بعض الثوابت:
ـ إنّ إحداث «الميغاسنتر» يُعتبر خطوة إصلاحية مُتقدّمة، يقتضي الدفع بها، فَوْر إنجاز الإستحقاق الإنتخابي المقبل، وولادة مجلس نيابي جديد.
ـ إثارة موضوع «الميغاسنتر» لا تحصل قبل أسابيع قليلة من الإستحقاق الإنتخابي.
ـ إنّ تفعيل «الميغاسنتر» يجب أن يترافق مع تعديلات على قانون الإنتخاب، وخصوصًا على المادتين/36/ و/85/ وغيرهما من المواد.
ـ إنّ المُطالبة بإحداث «الميغاسنتر» اليوم، وعلى بُعد أسابيع من اجتماع الهيئات الناخبة، لا شكّ أنه مطلب حقّ، لكن يُخشى من أن يكون يُراد به باطل. عملاً بقَوْل الخليفة الراشدي علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) في الخوارج، بعد أن رفضوا التحكيم، حيث قالوا (لا حكم إلاّ الله) فالآية حق، وهم على باطل. والخشية أن تكون المطالبة اليوم بـ«الميغاسنتر»، وهو مطلب محق، غرضه نسف الإنتخابات برمتها لغايةٍ في نفس يعقوب.