Site icon IMLebanon

هل هناك حجة بديلة من «الميغاسنتر»؟!

 

 

لم يعد سراً انّ مشروع إحياء «الميغاسنتر» كان سيدخل كتاب «غينيس بوك»، فقد سقطت التجربة منذ زمن، وانّ من خاضها كان على قناعة باستحالة تحقيقها، فيما كان المقصود إيجاد تبرير جديد للكثير من المعوقات التي تحول دون انتخابات تحفظ لهم مواقعهم المميزة. وإن كان الهدف تطيير الانتخابات، فقد كانوا على يقين بأنّ النتائج المترتبة على مثل هذه الخطوة ستطيّر البلد. وعليه هل من بدائل لتحقيق هذه الغاية؟

في إحدى الجلسات التي خُصّصت لبعث الروح في مشروع «الميغاسنتر» في مكان ما – لا يمكن الإشارة اليه منعاً لصدور بيان ينفي هذه الواقعة – طُرحت كل السيناريوهات التي يمكن ان تقود إلى هذه الخطوة، بعد التوافق على أسبابها الموجبة، وخصوصاً تلك التي تدغدغ عواطف الناخبين لاستعادة ما فُقد منهم لألف سبب وسبب. وبعدما توسعت القراءات السياسية والقانونية استقر الرأي على خطوتين لا ثالث لهما، فإما التقدّم بالخطوة مرة أخرى عبر مشروع قانون إلى مجلس النواب تتقدّم به كتلة «لبنان القوي» مع تطعيم لائحة النواب العشرة الموقّعين عليه بعدد من الحلفاء، أو العودة الى طرحه من بوابة مجلس الوزراء بأي طريقة من الطرق. فكان القرار باللجوء الى الخيار الثاني.

ومردّ هذا التوجّه الى القدرة الواسعة على المناورة في الدفاع عن الخطة وتأمين الظروف التي يمكن ان تدعم أي خطوة من هذا النوع. فالوضع الاقتصادي والنقدي المتردّي وغلاء المحروقات، بالإضافة الى باقي الأسباب التي زادت من معاناة اللبنانيين، يمكن ان تشكّل خطوة دافعة تسمح بمغامرة جديدة في هذا الاتجاه. ولم يتجاهل أصحاب هذه النظرية إمكان ان يكون هناك حدث أمني يؤدي الى توفير ما يريدونه في نهاية المطاف وفي أي وقت.

فالوضع في المنطقة يغلي على وقع النار المتأججة في سوريا تزامناً مع حرب اوكرانيا ونتيجة التعثر في مفاوضات فيينا، وهو ما قد يؤدي إلى اشتعال الجبهة الجنوبية، التي مجرد تبادل محدود لبعض القذائف في مناطق «غير مأهولة» يشكّل الذريعة المؤدية الى تطيير موعد الانتخابات وتأجيلها.

وعلى هذه الخلفيات، فإنّ اعتماد هذا الخيار بدلاً من اللجوء الى مقر المجلس النيابي المؤقت في «قصر اليونيسكو»، يبقى أقل كلفة ويمكن البتّ به بسرعة لتحقيق الأهداف المقصودة منه. فالمجلس النيابي قال كلمته في 19 تشرين الأول الماضي بالأكثرية المطلوبة، بالرغم من النقاش الذي جرى حول حجمها وكيفية احتسابها، إن كان على أساس عدد أعضاء المجلس النيابي قانوناً او العاملين منهم، والذي انتهى باللجوء الى المجلس الدستوري الذي بقي عاجزاً عن البتّ بإشكالية دستورية بهذا الحجم.

وللتذكير بما حصل في تلك الجلسة، فقد كانت خريطة المواقف النيابية حاسمة، ولم يغيّر أي من الكتل قراره ولا من النواب المنفردين، رأيهم في ما حصل. فقد وافق المجلس في جلسة 19 تشرين الأول 2021 على مجموعة من التعديلات على القانون الصادر العام 2017، وتمّ تعليق العمل بالمادتين 112 و122 اللتين تنصّان على استحداث الدائرة الانتخابية الـ 16 للمغتربين لمرة واحدة فقط. وهو ما سمح للمنتشرين بالانتخاب في الدوائر الـ 15 كل حسب قيده الأساسي، بما لها من تداعيات على المواجهة بين أهل السلطة والمعارضة. كما تمّ تعليق العمل بالمادة التي تنصّ على إلزامية اعتماد البطاقة الممغنطة للاقتراع الواردة في المادة 84 استثنائياً ولمرة واحدة ايضاً، وهو ما أدّى الى طي البحث بمراكز الاقتراع الكبرى «الميغاسنتر» تلقائياً، بالإضافة الى تقديم موعد الانتخابات المحدّد في 8 أيار لتُجرى في 27 آذار.

ولا ينسى أصحاب النظرية، التي استبعدت اللجوء الى ساحة المجلس النيابي لصالح الساحة الحكومية، انّ هذا المجلس جدّد في 28 تشرين الاول العام الماضي بأكثرية أعضائه مرة أخرى، التأكيد على رفض ملاحظات رئيس الجمهورية للتعديلات التي أُقرّت في تلك الجلسة التشريعية، ولم يتجاوب معه سوى في موعد فتح صناديق الاقتراع من 27 آذار الى 15 أيار، وصوّت 77 نائباً لصالح تعديله، وأيّد 61 نائباً اقتراع غير المقيمين لمجلس النواب بأكمله بدلاً من حصر العدد بستة نواب. ودخل مشروع القانون حيز التنفيذ اعتباراً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية في 3 تشرين الثاني. وإن لم ترضِ هذه الإجراءات النيابية رئيس الجمهورية ونواب «التيار الوطني الحر»، فقد أجهز المجلس الدستوري على الطعن الذي تقدّموا به، بعدم توصله الى أي قرار، فكان «اللاقرار» الذي تجاهل أخطاء كبيرة ومخالفات دستورية تُعدّ هامشية، قياساً على ما كان الطعن قد طالب به وأمكن تجاوزها وإعادة تصحيحها بقرارات منفردة صدرت عن وزير الداخلية، فأعيد النظر بمواعيد إقفال قوائم الناخبين وتصحيح لوائح الشطب وتسجيل المغتربين، بما أنهى مفاعيل بعض المخالفات الدستورية التي حواها القانون المعدّل.

على هذه الخلفيات والوقائع، طويت صفحة العودة الى مجلس النواب بالنسبة الى العديد من الكتل النيابية، لكن ذلك قد لا يحول دون أن تفاجئ كتلة «لبنان القوي» بتجديد اللجوء الى خطوة تعيد طرح الموضوع من باب الحديث عن هذه المراكز، بالرغم من اعتقاد كثر بأنّها ستكون مجرد خطوة في الهواء لإرباك الساحة النيابية والسياسية مرة أخرى من باب المناكفات الجارية على قدم وساق والمتنقلة من سلطة إلى أخرى ومن مؤسسة إلى أخرى، ما لم تنته التفاهمات والتحالفات الانتخابية الى طي هذه الصفحة، والتي باتت رهن التحالفات الانتخابية التي من المفترض أن تنتهي في مهلة أقصاها الرابع من نيسان المقبل، تاريخ إقفال اللوائح الانتخابية التي ستخوض السباق الى ساحة النجمة في 15 ايار المقبل.

وبناءً على ما تقدّم، فقد بات واضحاً انّ الطريق المؤدية الى تطيير الانتخابات وإجراء أي تغيير في آلية الانتخاب قد سُدّت وأُقفلت بعوائق كبيرة على الساحتين النيابية والحكومية، وإن كانت هناك نية للوصول الى هذه المرحلة، فانّ هناك اكثر من سيناريو بديل قد رُسم وانتهى تنفيذ الكثير من مراحله. فبالإضافة الى نجاح بعض أحزاب السلطة، وخصوصاً اطراف التسوية التي عُقدت العام 2016، في تفكيك الخطوات التي كان يمكن ان تؤدي الى توحّد المعارضة والقوى التغييرية في لوائح متراصة وموحّدة. وما زاد في الطين بلّة، ان أدّى موقف الرئيس سعد الحريري ومعه تيار «المستقبل»، وعزوفهم عن الترشح واعتكافهم عن الحياة السياسية، إلى استعادة أحزاب السلطة المدى الحيوي الذي سيسمح لها باستعادة ما فقدته شعبياً في أكثر من دائرة انتخابية، وهو ما يقود الى التراجع عن أي خطوة تقود الى تأجيل الانتخابات بتمديد تقني او إداري.

وعليه، فإنّ البدائل التي توفرت لضمان مصالح من يريدون التأجيل قد بدأت تطل بقرنها في أكثر من دائرة. ولعلّ ابرزها، ما هو متوقع بالحدّ الأدنى في التحالفات الغريبة – العجيبة التي ستشهدها بعض الدوائر الانتخابية، ما لم تطرأ أية مفاجآت يسعى اليها البعض، ومنها توحيد قوى التغيير والمعارضة في بعض الدوائر الحساسة، والتي قد تكون جاءت في توقيت تعذّر فيه العثور على البديل من مشروع «الميغاسنتر»، للتلاعب بالانتخابات النيابية وموعدها.