عندما كان صدام حسين شابًا مجهولاً يبحث عن طريقه في حزب البعث، كان طارق عزيز قد أصبح رئيس تحرير جريدة الحزب. كانت أحلام صدام حسين القادم من تكريت، بلا حدود، وربما بلا أسس. وكان حلم طارق عزيز الكلداني الأقلي، محدودًا ومتواضعًا. ورغم أن أمين عام الحزب ومؤسسه ميشال عفلق كان مسيحيًا سوريًا، فإن طارق عزيز كان يُدرك محدوديات موقفه ومستقبله في الصورة العربية الكبرى.
لكن عندما حقق صدام حسين أحلامه التي كانت تبدو مستحيلة، رأى في صديقه القديم شريكًا ملائمًا إلى أقصى الحدود: مهما تقدم، فهو لا يصل، ومهما اشتهر، فهو لا يلمع، ومهما حقق، فهو لا يشارك. اختاره لكفاءته المهنية، ومحدودياته التلقائية. شريك غير مضارب.
بالنسبة إلى طارق عزيز، كان رضا السيد الرئيس هو الوفاء. تساقط الرفاق الكبار من حول صدام، وبقي هو خارج شبهات المنافسة والخوف من التآمر. وكانت له مهمة واحدة تقريبًا: التعاطي مع أهل الخارج، وترك شؤون الداخل للذين يجيدون الحكم. أوفده صدام إلى سوريا المعادية، وإلى إيران المعادية، وإلى روسيا المنسحبة من معاهدة الصداقة، بعدما خرق العراق كل الأصول الدولية والمعاهدات. وكان طارق عزيز يقف أمام مراسلي الأمم المتحدة متحدثًا بلغة إنجليزية طليقة ولهجة صلبة، لكن قضيته كانت خاسرة. إنه يمثل نكث المواثيق. هل كان مقتنعًا في داخله؟ لا أحد يعرف على وجه الضبط. لكنني أعتقد أن ثقافة طارق عزيز السياسية، واتصاله بدبلوماسية العالم، كانت تمكِّنه من معرفة حجم الخطأ. غير أن مهمة وزير خارجية صدام مثل مهمة وزير دفاعه، أو داخليته، أو إعلامه، أو وزير الري والبلديات، هي أن ينفذ. وحتى القبول بالحقائب أو المهمات لم يكن خيارًا.
طارق عزيز رمز آخر من رموز السياسة الكافكاوية العربية. أعلى المراتب ثم أظلم السجون. وبينهما محاكمة ساخرة تتمادى في إهانة القانون، وتقام في قفص مهين من أقفاص حديقة الحيوان. هل هناك ما هو أسوأ؟ أجل. أن يسمح حيدر العبادي بدفن الرجل في الأردن شرط ألا يقام له مجلس عزاء. فهو محكوم بالإعدام حيًا ومحكوم به ميتًا. وكان طارق عزيز قد توسل إلى دولة القانون أن تنفِّذ به حكم الإعدام لأنه أرحم من سجنه، لكن القانون يفضل أن يتوفى السجناء السياسيون عذابًا.
في أحد مشاهد قفص القانون، أحضر طارق عزيز بالبيجاما. كان هناك من يريد الانتقام من صورته الأنيقة وسيجاره الكوبي. لكن صورة المحاكمات في مجملها كانت إهانة للعراق. حتى سبعاوي أثار العطف وهو يشق قميصه الداخلي في القفص. المحاكمات في البلدان الأخرى تجري في قصر العدل. هنا في قصر المهداوي.