تتراكم الملفات الخلافية أمام مجلس الوزراء وتؤجّل من جلسة إلى جلسة، حتى لا ينفرط عقد الحكومة ويعمّ الفراغ كل المؤسسات الدستورية من رئاسة الجمهورية التي تدخل بعد أقل من أسبوعين عامها الثالث وكل المؤشرات والمعطيات المتوافرة تؤكد على انسداد كل الأفق وانعدام أي بصيص أمل في إمكان إحداث خرق في المستقبل المنظور، إلى مجلس النواب الذي يُشكّل السلطة الثانية وصمّام أمان النظام الديمقراطي، إلى الحكومة التي باتت مشلولة بل في موت سريري على حدّ تعبير الرئيس نبيه برّي، وأصبح وجودها شكلياً وأقرب ما يكون إلى حكومة مستقيلة تتولى مهمات تصريف الأعمال بانتظار أن تترتّب الأمور ويتم تشكيل حكومة جديدة.
إنه وضع غير مسبوق في العالم حتى في الدول التي تعيش حروباً داخلية كسوريا والعراق واليمن وغيرها من الدول، وبرغم ذلك حافظت على الحدّ الأدنى من مؤسساتها وانتظام عمل هذه المؤسسات، فإلى متى يستمر هذا الوضع، وهل يمكن أن يستمر لبنان في هذه الحالة ولا تنهار الدولة؟
كل قادة البلاد وكل رؤساء الأحزاب يقرّون علناً بأن البلد وصل إلى حافة الإنهيار، أي أنه دخل دائرة الخطر، وفي نفس الوقت لا يرى اللبنانيون رغم خلافاتهم أن أحداً من هؤلاء القادة يعمل بجدّية وصدق لإنهاء هذه الحالة ووقف خطر الإنهيار التام الذي يدق على الأبواب.
المطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى إحداث صدمة قوية كأن تستقيل الحكومة مثلاً ويستقيل النواب أو أن يتوحّد الشعب ويُعلن الثورة على هؤلاء القادة بوصفهم يتحمّلون المسؤولية الكاملة عن وصول البلد إلى هذه الحالة المأساوية على طريقة استمرار الحال من المحال، غير أن ذلك يبدو ضرباً من الخيال، وتمنيات لا وجود لها في الواقع، فلا الحكومة ولا النواب في وارد الإقدام على هذه الصدمة ولا الشعب المنقسم على نفسه والراهن إرادته للقيادات السياسية التي تتلاعب به قادر على التوحّد والثورة على جلاديه وسالبي حقوقه والمتواطئين عليه تحت سمع العالم وبصره، وكأن هذا العالم رفع يده عن هذا البلد وتركه لمصيره المحتوم بعدما يئس من قيادته وحتى من شعبه.
قد يتذرّع هؤلاء القادة والزعماء وأرباب السلطة والمال أن اللعبة أكبر منهم جميعاً وأنهم لاعبون صغار على المسرح الداخلي لا قدرة لهم على الوقوف في وجه الكبار من اللاعبين الدوليين الذين يمسكون بالورقة اللبنانية، لكن مثل هذه الذريعة لا تُسقط عنهم مسؤولية التواطؤ على انهيار هذا البلد، وضياعه.