IMLebanon

ذاب الثلج.. وبانت معركة القلمون!

هل معركة القلمون، هي فعلاً «أم المعارك» في «الحروب« السورية، أم أن الكلام عنها سياسي يرسم ضمناً المأزق العميق والضخم الذي يعيشه «حزب الله» والجيش الأسدي؟

منذ مطلع الشتاء والآلة الإعلامية الممانعة تهدد وتبشر بالتغييرات الكبيرة التي ستحدثها معركة القلمون والانتصار فيها بعد ذوبان الثلج، الى درجة أن التراجع عن المعركة يشكل في حدّ ذاته هزيمة معنوية وسياسية لا داعي لها. الآن ذاب الثلج، فإما المعركة وإما التموضع والتحصن الذي يجعل التحصينات أو ما يطلق عليه «خط ماجينو» في جرد بعلبك، مجرد خط مرسوم في الأعالي، غير مكتمل بسبب الطبيعة الجغرافية الصعبة، الى جانب ذلك وهو الأهم أن المقاتلين السوريين مهما كانت انتماءاتهم، ليس أمامهم سوى القتال حتى النهاية، خصوصاً أن العديد منهم من محور القصير الذين أصبحوا يحملون «مفاتيح» منازلهم مثل الفلسطينيين على أمل العودة إليها يوماً.

معركة القلمون مهمة، لا شك في ذلك، لكنها لم تعدّ «أم المعارك»، بعد التغييرات الميدانية العميقة من جهة، ومن جهة أخرى التحولات السياسية والتنظيمية المحلية والإقليمية والدولية. «عاصفة الحزم» أقامت ائتلافاً وتحالفاً كان حتى هبوب «العاصفة» غائباً. الخلافات القائمة والتنافسات الحادة والمواجهات التي بعضها إلغائية مدمرة صبّت نتائجها في «كيس» النظام الأسدي وحليفه الإيراني.

حالياً نتائج الحرب، ليست انقلابية لكنها مؤثرة جداً. توجد «خطوط حمراء» لا يمكن لأي طرف كسرها مهما بلغت قوته. من ذلك أن كسر خط اللاذقية طرطوس وصولاً الى تركيا ممنوع. هذا الخط يضم القرى العلوية التي لا أحد يضمن حماية سكانها من «سكين» الطائفية والانتقام و»الداعشية». تركيا لن تسمح، وهي التي تملك «مفاتيح» تلك المنطقة، بأي اختراق. من حقّها وواجبها أن تحسب حساب سكانها العلويين. هذا الخط الواقع على ضفاف البحر المتوسط ممسوك من روسيا. لن تصل المواجهة بين موسكو وواشنطن الى درجة الصدام المباشر. واشنطن محكومة بحماية التوازن الموجود. اللعب يتم خارج هذا «المستطيل» وشاطئه.

استراتيجية القوى المسلحة بالكرّ والفرّ، والعمل على قطع «الأوكسجين» عن النظام، ليصل الى حالة من الاختناق يصبح الجلوس الى طاولة المفاوضات إجبارياً هو الأهم. لذلك ما يجري حالياً هو تصعيد حرب قطع طرق الإمداد وجعل التنقل أصعب فأصعب. «إقفال» المعابر الحدودية بين سوريا وتركيا والعراق والأردن، عزل سوريا عن محيطها الى درجة تفكير إيران بإقامة خط بحري بينها وبين سوريا. هذا الخط البحري يشكل ثغرة مهمة لكنها غير حاسمة. فائدته محدودة وقدرته على التموين لا تعوض الخسائر الضخمة لغياب التنقلات البرية.

هذه التطورات الميدانية، زائد التسريب الأميركي عن تدريب مجموعات سورية على الحرب ضد «داعش» تؤكد أن لا شيء سيبقى على حاله في «الحروب« السورية، وأن التغيير الكبير المبشّر بسقوط النظام الأسدي ما زال بعيداً، خصوصاً في ظل الدعم الميداني الإيراني المتصاعد. إيران تخاف من وقوع خسائر استراتيجية في زمن «التوأمة» مع اليمن و»عاصفة الحزم». إيران ستبذل كل جهودها للمحافظة على صمود «النظام الأسدي»، حتى تدق ساعة الحقيقة حول طاولة المفاوضات.

أمام هذا الإصرار الإيراني، فإن السؤال الكبير هو في كيفية صياغة سياسة عربية عربية مشتركة ومتحالفة مع تركيا. الثغرة الأخيرة هي موقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي ما زال يرى أن الأسد يمكن أن يكون جزءاً من الحل في حين أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حسم الموقف بأن «لا مستقبل للأسد ولا دور له في مستقبل سوريا».

معركة القلمون قد تتحول الى حرب استنزاف لـ»حزب الله« مهما حشد من مقاتلين أعمارهم بين 15 سنة و75 سنة. فهل يضع لمشاركته فيها علامات تمنع انزلاقه نحوها، أم أن ارتداءه «عباءة» تمتد من عدن الى حلب تجعله ينسى وهو يتحرك تحتها أنه عندما تبدأ المفاوضات بين الكبار لن يراه أحد ليسأله رأيه سوى الولي الفقيه الذي يبقى همّه الكبير كيفية ضمان مصالح إيران أولاً.