يصح ذوبان الثلج الذي بات اشبه بالكوابيس عنوانا لاستحقاقين متسابقين في اثارة عواصف الغموض وما يختبئ وراءها. سباق الى استثمار الفراغ الرئاسي بالامعان في توظيف حالة مسيحية هائمة في الضياع، وسباق الى دفع لبنان للالتحاق القسري الكامل بالمحور الايراني. وفي ظل السباقين المحتدمين تنعدم اي قدرة لبنانية خالصة على رسم خريطة ثابتة للمواجهة الموضوعية لكل ما يمكن ان يصح ولا يصح عن الاخطار الحقيقية وحجمها في ما بعد ذوبان الثلج، اذا كان يراد لنا ان نسلم بأنه موعد حتمي مع الاستحقاقين.
ولأنه يبدو من العبث التعويل على يقظة مسيحية للامساك بزمام ازمة الفراغ الرئاسي على رغم فورة الكلام والتحركات والحوارات، فإن الاولوية الجادة تتركز على الواقع الميداني والامني الذي يشكل الانكشاف الاكبر والاخطر على لبنان والذي من خلاله يتعين على اللبنانيين ان يرصدوا المواقف المتداخلة للمعنيين من القوى السياسية بهذين السباقين.
ثمة اولا فجيعة بكل المعايير في واقع القوى المسيحية، لا يقلل خطورتها الحوار الجاري بين الفريقين العوني والقواتي، في التعامل مع الاخطار الزاحفة على المسيحيين تحديدا. في كل ما جرى ويجري في سوريا والعراق وليبيا تصاب بالذهول حيال سلّم الاولويات الذي يتقلب فوقه الوسط القيادي المسيحي اللبناني المترف باللغو الكلامي على نحو تكاد تشعر حياله بأن هذا الوسط أصيب بالأزهايمر السياسي من الدرجة القاتلة تاركا لسواه الادارة التامة لظروف المواجهة الوجودية.
وثمة ثانيا ما يستدعي الخشية الاكبر من السيناريوات التي يعدها المقتدر الاكبر في التعامل مع الاستحقاق الميداني اي “حزب الله” الذي كان زعيمه سبّاقا في اطلاق الانذارات الحمر حول الموعد الربيعي وما بعده. وترانا نتساءل: ما دام الحوار الجاري بين الحزب وتيار المستقبل شكل افضل الممكن المرحّب به لبنانيا لحماية الاستقرار الداخلي ضمن بنود محصورة وضيقة، الا تتسع عملية تضييق الهوة الواسعة بين الفريقين بعد ست جولات حوارية لمكاشفة صريحة حول الاستحقاق الذي اثاره السيد نصرالله بنفسه والمتصل اتصالا مصيريا حاسما بالاستقرار الداخلي؟ يضرب الحزب سواتر الممنوعات الحاسمة حول كل ما يتعلق بمشاركته في الحرب في سوريا وهو امر لم يعد اي فريق داخلي يثيره نظرا الى استحالة تغيير هذا الواقع. ولكن الاستحقاق الآتي، ان صح بمعايير ما يصوره الحزب نفسه ودعايته التي تركز بقوة تصاعدية على تعميم الاخطار الناجمة عن ذوبان الثلج، يستدعي مساءلة الحزب اكثر من اي وقت مضى في النقطة المحورية المتصلة بنتائج تورطه في القتال خارج الحدود اللبنانية وما اذا كان ذلك سيحمي لبنان ام سيعرضه لمزيد من الاهوال. ام ترانا سنكون امام شيء ليس في بال احد؟!